الكاتب : نضال الخضري

هل تحتاج المسألة إلى تنظير؟! عندما نبدأ البحث عن الاختلاف في سورية فإننا نعود مباشرة باتجاه السياسة، وفيها كل شيء ممكن وربما مبرر، وفيها أيضا ذلك الخلط ما بين الاهتمام بالشأن العام و "الاشتغال" بالسياسة، وأخيرا فإنها تحمل معها تلك الحدود الغائمة التي يمكن أن يختلط فيها "الافتراق" السياسي عن "الانكسار الاجتماعي"...

البحث في الاختلاف السياسي لا يمكن مناقشته فعندما نشاهد المجتمع دون رأي جديد فإننا سنقف على حدود "السكون" بكل ما يعنيه من معاندة لحركة الحياة، لكن خطورة الاختلاف تظهر عندما تنطلق سريعا وسط الاضطراب باتجاه الهوية، أو هذا ما توحيه بعض التقارير الإعلامية، أو ربما يتم التحريض عليها عند الفشل في كسب إرادة عامة عند طرف من الأطراف، وربما يشكل العودة للكتابة عن الهوية نوعا من "الإخفاق" الثقافي، فمن غير المنطقي أن نواجه أي أزمة بمسألة الهوية التي من المفترض أن تكون "محسومة" منذ بداية عصر النهضة... فهل هناك أزمة هوية بنفس الطريقة التي تبدو داخل وسائل الإعلام؟

الأمر متشابك وربما مركب لأن التنوع السوري فرض نفسه منذ اللحظات الأولى لبلورة مفهوم الدولة في شكلها المعاصر، والواضح أن المسألة متعلقة لم تكن فقط مجرد "توافق سوري" أو "عقد اجتماعي" وفق الصياغة الخاصة بمفكري عصر النهضة الأوروبية، فنحن وخلال الخمسينيات نادرا ما نجد أحزابا تقف عند حدود "الدولة السورية" كما ظهرت في مرحلة الاستقلال، فالأحزاب تتسع من المفهوم الإقليمي باتجاه العربي وصولا إلى الأممي، واليوم تضيق الدائرة باتجاه تلك الخصوصية التي يسعى فيها المواطن للحفاظ على جغرافيته التي اعتادها، فالأبعاد السابقة للأفكار الكبرى التي انطلقت في النصف الأول من القرن العشرين انهارت على الأقل في "خيال" الأجيال الجديدة.

في المقابل فإن القرار الداخلي لأي مواطن بالاكتفاء بسورية ربما خلف واقعا بديلا، فالاحتجاجات التي شهدناها على امتداد شهرين ونصف رسمت الجغرافية من جديد، وإذا لم يتحدث أحد من المعارضة عن "طابع متعدد" للتظاهرات فإن هذا الأمر لا ينفيها، فالمسألة ليست "هويات" متعددة بقدر كونها عدم انتقال ثقافة "الهوية الوطنية" من نقطتها الأولى التي ظهرت عليها مع بدء تفكير النخب بالانفصال عند السلطنة العثمانية.

البحث هنا يطول لكننا على ما يبدو لم ننتبه إلى العوامل التي أثرت على "التكوين الاجتماعي"، سواء نتيجة عصر الاتصالات أو بحكم الركون إلى قدرة الدولة على تحديد ما نريد أو حماية "وحدة المجتمع" دون ان يطور المجتمع تفكيره لمفهوم هذه الوحدة... هل نفلسف الأمور أكثر من اللازم؟ أم أن زمن الأزمة يحتاج لثقافة مختلفة قادرة على رسم ملامح "خارطة طريق" لا تحاول أن تتجاوز زمنيا كل المراحل الخاصة بسورية؟!
بالتأكيد هناك كم من التراكمات التي لا تتيح ظهور تلك الخارطة لكن على الأقل ربما علينا التفكير بها جديا، كي لا نصبح أسرى الاختلاف...