قبل الخوض في الاحتمالات التي "ستصبح واردة" اذا لم يتعاون النظام السوري في كل القضايا المطلوبة منه دوليا، لا بد من التعليق على ما ورد امس هنا عن متعاط اميركي في الشأن العام له تجربة عميقة لا تزال مستمرة مع الشرق الاوسط وقضاياه، والذي استشف منه كل الذين قرأوه نوعا من اللوم للبنانيين في المواجهة الدائرة حاليا بين لبنان او بين غالبيتهم وسوريا. اول ما يمكن ان يقال في هذا المجال هو ان اللبنانيين او غالبيتهم وخصوصا في المرحلة التي بدأت منذ التمديد لرئيس الجمهورية العماد لحود والتي شهدت حوادث بالغة البشاعة والمستمرة حتى الآن، لا يخوضون معركة ضد سوريا وضد الشعب السوري. فكلهم تمسكوا ولا يزالون يتمسكون بعلاقة مميزة معها وفقا لاتفاق الطائف وقبله انسجاما مع الوشائج الكثيرة التي تربط بين البلدين والقائمة من زمان. وليس تمسكهم هذا مناورة لانهم يعرفون ان استقرار بلادهم يتوقف الى حد كبير على العلاقة المشار اليها اعلاه بل اكثر من ذلك، ان وحدتهم الوطنية تتوقف عليها على ما يثير ذلك من الم في نفوس الكثيرين. ويشمل هذا الكل الفئات التي قاتلت سوريا او تقاتلت معها اثناء الحروب الاهلية وغير الاهلية التي عصفت بلبنان على مدى نيف و15 سنة فدمرته وحدة وطنية وامنا واستقرارا وسيادة واستقلالا وتوازنا ودولة والتي دفعتها هذه الحروب الى رفع شعارات عنصرية ضد سوريا الشعب والى محاولة ترجمة هذه الشعارات عمليا. وثاني ما يمكن ان يقال في المجال نفسه هو ان هؤلاء اللبنانيين الذين قامت قيامة سوريا والمستمرون من اللبنانيين في التحالف معها لا يخوضون معركة ضدها كبلد او كدولة او كشعب. بل انهم رفضوا ممارسات لنظامها في بلادهم اثناء سنوات الحرب الطويلة واثناء سنوات اللاسلم واللاحرب التي اعقبتها. ووقفوا ضدها وهم يحاولون الآن وقفها عمليا بعدما نجحوا وبمساعدة المجتمع الدولي في وقفها رسميا. ورغم ذلك لا يرفع هؤلاء اللبنانيون شعارا معاديا للنظام السوري ولا يطالبون بضربه واسقاطه ولا يهدفون من تحركاتهم المستمرة تسهيل هذين الضرب او الاسقاط، وذلك اقتناعا منهم بان وضع النظام السوري او مصيره هو شأن سوري بحت لا علاقة لهم به، وبان ما يهمهم هو استقرار علاقة التعاون والتكامل مع سوريا أياً يكن النظام الحاكم فيها وسواء اعجبهم هذا النظام او لم يعجبهم. وثالث ما يمكن قوله في المجال اياه هو ان "لوم" اللبنانيين او قسم منهم على "امتعاضهم" المزمن من سوريا في صورة خاصة في محله الى حد كبير. ويمكن اضافة شيء من "الفوقية" الى هذا الامتعاض اثناء ممارسة "العلاقة الاخوية". لكن ما يجب قوله هنا في الوقت نفسه هو ان الامتعاض مع توابعه ناجم اساسا من موقف سوريا الملتبس حيال الكيان اللبناني قديما وحديثا اي من اقتناع قسم من اللبنانيين بان سوريا لم تتوقف عن اعتبار لبنان جزءا منها شلحها اياه المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الاولى عندما انشأ "لبنان الكبير" تحت انتداب فرنسا ثم عندما تعامل معه كياناً مستقلا بعد انتهاء الانتداب. وولد هذا الاقتناع خوفا عند القسم المذكور. ومع مرور الوقت وخصوصا منذ دخول سوريا لبنان عام 1976 ومنذ "رعايتها" مسيرة سلمه الاهلي بدءا من عام 1989 التي تحولت سيطرة عليه وادارة مباشرة له وتعمم هذا الخوف على جهات لبنانية اخرى وان ربما لاسباب مختلفة. ويعني ذلك ان اي معالجة للعلاقة اللبنانية – السورية المتدهورة اليوم لن تكون ناجحة الا اذا اخذت في الاعتبار هذه الحقيقة التي يتجاهلها كثيرون في لبنان والجميع في سوريا. ويعني ايضا ان نجاح المعالجة لا يتوافر اذا لم يشترك فيها بل اذا لم يتحمل مسؤوليتها البلدان "التوأمان" اي لبنان وسوريا. واذا لم يعترف قادة كل منهما بان في مواقف الآخر من المشكلات القائمة والمخاوف الظاهرة والهواجس المعششة في القلوب والعقول شيئا من الصحة. ورابع ما يمكن قوله في المجال نفسه تعبّر عنه انواع ثلاثة من التساؤلات كثيرة موجودة عند اللبنانيين ويعبّرون عنها في شكل او في آخر ابرزها ثلاثة. الاول، هل ممنوع على اللبنانيين ان يرفعوا شعار معرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ وهل تُدفن هذه الحقيقة لانها قد تثير مشكلات او عدم استقرار في بلد معين؟ وهل يُهدد لبنان باستقراره على هشاشته في حال أصر ابناؤه او قسم مهم منهم او حكامه او قسم منهم على الوصول الى الحقيقة؟ والثاني، هل ان المطالبة بترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا تدفعه الى مرتبة الكفر "القومي والديني" ام انها تحل الكثير من المشكلات بين البلدين؟ وهل يعني الترسيم اغلاق الحدود بين البلدين؟ والا يمكن فتح هذه الحدود الا اذا كانت غير مرسمة؟ وهل يحول الترسيم مستقبلا دون قيام حالة اتحادية بين سوريا ولبنان برضى شعبيهما وليس برضى "مبرمج" من جهات معروفة وخصوصا اذا تأكد اللبنانيون والسوريون بل قبل السوريين ان هذه الوحدة لن تكون على حساب الوطنية في كل من البلدين وعلى حساب الحرية والديموقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص بين مكونات كل من الشعبين فيهما بغض النظر عن الدين والمذهب والاثنية والعنصرية؟ اما النوع الثالث من التساؤلات فهو: كيف يمكن ان يؤذي سوريا قيام علاقات ديبلوماسية بينها وبين لبنان؟ الا تعلم سوريا ان عدم اقتصار علاقاتها بلبنان على الدولة القائمة فيه وتجاوز ذلك الى علاقات مع جماعات فيه (طوائف او مذاهب او احزاب او شخصيات) يحول دون استقراره. وقد ينعكس ذلك سلبا على استقرار سوريا في حال تغيرت الظروف الدولية والاقليمية وهي الآن متغيرة؟

وقبل الخوض ايضا في الاحتمالات التي "ستصبح واردة" اذا لم يتعاون النظام السوري في كل القضايا المطلوبة منه دوليا لا بد من تعليق سريع على الاميركي الثاني متعاطي الشأن العام في بلاده وصاحب الخبرة العميقة في التعامل مع سوريا على مدى نحو 14 سنة. والتعليق هو على تأكيده ان المجتمع الدولي والعربي وفي مقدمه اميركا سيقف مع رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة في اي مواجهة يفرضها عليه النظام السوري. ونحن هنا لا نشك في احترام الادارة في واشنطن للسنيورة وفي معرفتها انه يحظى بدعم قسم مهم من اللبنانيين، وفي انه يبذل جهودا كبيرة لتلافي المواجهة مع سوريا الشعب والنظام. لكن تجارب لبنان وكل الدول التي بحجمه الصغير وحتى الاكبر، تثبت ان سياسات الدول الكبرى والعظمى تحكمها المصالح وحدها. والمصالح لا تقيم وزنا للاشخاص والمسؤولين. وتأمينها غالبا ما كان على حسابهم وعلى حساب الشعوب، علما ان "التزام" اميركا والمجتمع الدولي "قضية لبنان" يبدو هذه المرة اكثر جدية منه في السابق.

ما هي الاحتمالات التي "ستصبح واردة" اذا لم يتعاون النظام السوري في كل القضايا المطلوبة منه دوليا؟

مصادر
النهار (لبنان)