انتقل "وقف إطلاق النار" خلال يومين إلى عنوان يحمل آلية جديدة في عملية التصعيد داخل سورية، فمنذ إعلانه ظهر على مساحة من الاتهامات المتبادلة، وكان واضحا أن هناك "تهدئة" ولو بالحدود الدنيا، لكن البحث في مسألة المراقبين وتصاعد المواقف حولهم أزاح مسألة العنف باتجاه جديد، ومنذ منتصف الأسبوع الماضي أصبح العنف أكثر من محاولة إسقاط خطة عنان، لأنه بدأ محاولة في ترك انطباع لدى المراقبين، أو طليعتهم، بأن الأمر تجاوز "مراقبة" الوضع وتثبيت التهدئة، إلى خلق توتر داخل المدن الكبرى في مؤشر على قدرة "التمرد المسلح" على قلب الموازين.

عمليا فإن استخدام التفجيرات وبكثافة واتباع سياسة الاغتيالات والتصفيات خارج مناطق التوتر التقليدية تحمل بذاتها انتقالا نحو رسم معادلة جديدة تقوم على تهميش دور المراقبين وفق خطين اثنين:

  • الأول مرتبط بتحرك المسلحين في المناطق، فنحن لم نعد أمام مشهد يحدد طرفين واضحين، بل تكريس مشهد عام بأن العنف يشكل "إرادة" عامة وليس قضية سياسية يمكن التعامل معها بالحوار، فالقضية هناك لا ترتبط بتحديد مسؤولية من يمارس العنف إنما بالتقييم العام للوضع السوري على أنه تجاوز مرحلة البحث عن تهدئة أو ضبط الأمور وإدارتها باتجاه الحوار.

بالتأكيد هناك اتجاه سياسي داعم تبلور خلال الأسبوعين الماضيين لتقديم "دلائل" حول شرعية العنف، وربما كانت تصريحات نوفل الدواليبي حول دعم "التمرد المسلح" وإعلان "حكومة" من باريس هي مؤشر على هذا الاتجاه الذي يحاول تجاوز كافة العوامل التي تحكم الأزمة، والاعتماد على شروط مؤقتة مثل حديث الدواليبي عن الدعم المسلح من ليبيا!

  • الثاني الاعتماد على "الحرب الأهلية" كمنطق لحل الأمور، حيث يحدد العنف ودرجة انتقاله الأولويات أكثر مما تحددها السياسة والقدرة على التحرك الدبلوماسي، فالحديث عن أن خطة كوفي عنان هي "الفرصة الأخيرة" قبل الحرب الأهلية لم يعد كلاما للتحذير لأن هناك من يدفع الأمور بهذا الاتجاه بغض النظر عن نشر المراقبين.

هناك فعل مزدوج اليوم يحاول التأثير على معادلة المراقبين وقدرتهم على رسم التهدئة، ومن جهة أخرى خلق واقع داخل المحافل الدولية بأن الأمور خرجت عن سيطرة "إدارة الأزمة" بحيث يتم استخدانم آليات جديدة، فالعنف الذي عاشته المناطق السورية خلال اليومين الماضيين مختلف من أهدافه عما كان سائدا خلال مرحلة ما قبل المراقبين.

الرهانات ستختلف بالتأكيد، ومسألة "المراقبين" ربما شكلة "رهاب" عند البعض، لكنها دخلت مرحلة صراع حقيقي تتجاوز أي إطار لخطة أو عملية سياسية، والاستحقاق الذي تواجهه سورية اليوم هي في تماسك مؤسسات الدولة لأن أي رهان على حرب أهلية لا يمكن أن يحدث دون انهيار الدولة التي أصبحت على ما يبدو الهدف الوحيد بالنسبة للمسلحين، بينما كانت طوال الفترة الماضية هدفا للعقوبات والضغوط الدولية، فالعبوات الناسفة التي ظهرت وكأنها السلاح الأخير هي في النهاية محاولة لكسر "قدرة التحكم" للمؤسسات الدولة داخل المدن الكبرى التي بقيت نقطة ارتكاز الدولة طوال المراحل الماضية.