الفرق واضح بين محاسبة مجرمين ومقاضاة بلد، لكن الكثير من التحليلات السياسية تتجاوز حتى مسألة عملية المقاضاة لتدخل في مساءلة التاريخ، فلجنة التحقيق الدولية حتى اليوم تحقق وتتحدث عن المسائل الإجرائية في سير التحقيق، بينما يسعى المحللون إلى تجاوز ما يمكن أن تقدمه اللجنة باتجاه محاكمة ميدانية على صفحات الجرائد.

وإذا كانت قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري حدثا غير عادي سواء بذاته أو بنتائجه، فإن انعكاس هذا الحدث كان استثنائيا أيضا على الصعيد الإعلامي لأنه أظهر وجها لـ"استباحة" كل الاعتبارات من أجل رسم صورة ذهنية لعملية الاغتيال. وبالفعل فإن المتابعة الإعلامية أوضحت أنها تستطيع تكوين دعم واضح لأي برنامج السياسي متجاوزة حتى قدرة البرنامج على إثبات نفسه.

ما الذي حدث أمس مع لجنة التحقيق؟ الموضوع مازال في إطار العمل الإجرائي الذي تقوم به اللجنة، أو على الأقل هذا ما اوضحته التصريحات الرسمية، لكن الشكل الرسمي هو الأهم، والمصطلحات الإعلامية استخدمت "المداهمة" و "الإحضار" و "الاعتقال" بينما ذهبت التحليلات وإحداها قدمه مسؤول سابق في الرئاسة اللبنانية على اعتبار ما حدث إدانة وإزالة شرعية عن الرئيس وصولا إلى الفراغ السياسي.

ما يحدث اليوم أن الرغبة الإعلامية تريد الانتقال من التحقيق إلى المحاسبة، ومن تحديد المسؤولية إلى تجريم بلد ومجتمع، ومن البحث عن الحقيقة إلى الدخول في "الخطايا" واعتبار ما يحدث ثأرا قبليا.

ما يحدث في اللحظة الراهنة هو تحويل المسائل السياسية إلى قضايا جنائية، واستخدام القضايا الجنائية لتكوين أزمات السياسية، ولكن التعامل الإعلامي يملك الحرية في التعامل مع القضايا بالشكل الذي يريده ... وهو يملك الحق في ملاحقة الخبر دون استخدامه كسيف لرسم حقائق لا نعرف حتى اليوم مصداقيتها.

لا شك أن قضية اغتيال الحريري شكلت "سلطة خامسة" ... ومن صلاحياتها إصدار الحكم على "المستقبل" وعدم الاكتفاء بمحاسبة الماضي.

مصادر
سورية الغد (دمشق)