المدة الزمنية بين كلام ديتليف ميليتس وكلام الرئيس السوري بشار الاسد هي مدة قصيرة لكنها بالتأكيد ليست قاصرة وتحمل من المعاني والابعاد اكثر بكثير مما يتبدى للمراقبين من النظرة الاولى ولا سيما على مستوى توقيت الكلام ولطالما كان للتوقيت في غالب الاحيان اثر كبير في تحديد وتعميق المعنى السياسي والتاريخي لمسألة معينة فكيف يكون الامر والمسألة هي بمستوى جريمة كبيرة راح ضحيتها رجل ذو ابعاد لبنانية وعربية ودولية وراحت الشكوك تنال من جهات عديدة ولا سيما من دمشق التي كانت قواتها موجودة في لبنان بموجب اتفاق الطائف قبل ان تنسحب منه في 26 أبريل الماضي‚

الاول رئيس لجنة تحقيق‚ والثاني رئيس دولة وما قاله الاول في التقرير الاجرائي الذي رفعه الى الامم المتحدة لجهة ان «الاستجابة السورية لطلبات لجنة التحقيق لم تكن سريعة مما ادى الى اعاقة عمل اللجنة»‚ يؤكد مسألة وينفي أخرى فهو يؤكد استجابة سوريا وينفي عنها مقولة رفض التعاون ‚ أما السرعة فهي موضوع نقاش يستوجب تحديد المعايير الدقيقة للقول او عدم القول بها‚ ومن هنا فان كلام الثاني اي الرئيس السوري‚ لا يمكن تصنيفه ردا على كلام الأول‚ وإن جاء في ظاهر الأمر على هذه الصورة بل يمكن القول انه تجديد لموقف دمشق التي اعلنت قبل ذلك عن استعدادها للتعاون‚ مع اللجنة الدولية ثم جاء كلام الرئيس السوري لصحيفة «دير شبيغل» الالمانية في هذا السياق وليس في سياق التحرك تحت وطأة التقرير الاجرائي‚ ولهذا السبب فقد توقف كثير من المراقبين عند مسألة التوقيت وطرحوا اسئلة كثيرة ومنها ان الرئيس السوري الذي اكد موافقة دمشق على استماع لجنة التحقيق لافادة اي مواطن سوري كان باستطاعته ان يفعل ذلك قبل الآن فلماذا لم يفعل؟

الاستنتاج المنطقي واضح وهو ان سوريا مثلها مثل اية دولة سيدة مستقلة‚ ليست مضطرة لأن تضع نفسها في موقع الرد على الشبهات التي تختلط فيها الأهداف السياسية بالوقائع القضائية ولهذا جددت تأكيدها على التعاون مع اللجنة بعد صدور التقرير الاجرائي الذي وصف الاستجابة السورية بأنها لم تكن سريعة دون ان يوضح المعايير المقصودة لتقييم معنى السرعة‚

التوقيت السوري كان ناجحا بعد التقرير الاجرائي وقبل قمة الامم المتحدة في منتصف سبتمبر المرتقب ان يحضرها الرئيس بشار الاسد الذي اكد امام الرأي العام الدولي ثلاث مسائل:

- نفى تورط سوريا ــ الدولة في الجريمة‚

- نفى اية علاقة لأي مسؤول سوري في الجريمة‚

- أعلن قبول التحقيق مع اي مواطن سوري مهما تكن صفته‚

وهذا يعني ان الكرة اصبحت الآن اكثر فأكثر في ملعب لجنة التحقيق الدولية كي تكشف عن الحقيقة وتقدم البراهين عليها‚ وكي لا تختلط الامور بين السياسة والقضاء

مصادر
الوطن (قطر)