حالتين ربما لا تتقاربان إلا من طبيعة الموقف الأمريكي منهما ... فحزب الله وتنظيم القاعدة يخضعان لنفس مقاييس الإرهاب وفق "القاموس" الأمريكي، رغم أن الولايات المتحدة تخوض حربا عسكرية ضد القاعدة، بينما هي في حرب سياسية ضد حزب الله.

لكن هذه المقاربة تفتضح درجات التفاوت وحتى التناقض بين حالتين "دينيتين"، وتعطي أشكالا من القناعة حول المصالح الأمريكية داخل الشرق الأوسط عموما، حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تنظر فقط إلى التجليات الثقافية بل أيضا إلى الثقافة نفسها، وترسم مسبقا الموقف منها بغض النظر عن النتائج.

في المقابل فإن ما قدمه السيد حسن نصر الله أمس لا يمكن فصله عن شريط "الظواهري" الذي بثته إحدى الفضائيات، ويمكن استدعاء التكوين العام للمفارقة ضمن مساحة جغرافية: أولها التواري في الكهوف، والرسائل التي تقدم الدم في كل أنحاء العالم. والثانية الحضور الكثيف والعلني ومحاولة تقديم المساحات العقلية على حساب "الحالة الجهادية" الافتراضية.

الموضوع هنا ليس مقارنة لكنه يصور طبيعة الخطاب الإسلامي الذي يملك الموقف نفسه تجاه الحياة اليومية، لكن تجاوبه مختلف وآلياته متفاوتة. فلا أحد يشك في أن السيد حسن نصر الله وحزب الله، وحتى غيره من الأحزاب، تملك موقفا حازما من الولايات المتحدة .. إنما السؤال يبقى مرتبطا بواقع ومساحة هذا الموقف، وربما بالطاقة الثقافية لمجابهة الحالة الدولية.

"الظواهري" اختار التواري ... بينما بقي خطاب حسن نصر الله رغم الحصار الإعلامي علني ... وربما لا تخضع هذه المواضيع إلى "من نختار" ... لأن الغرض من السجال بين الاثنين هو بحث الخطاب الإسلامي وموقعه من السياسة، وقراءة هذا الخطاب وفق الصورة القادرة بالفعل على تطوير آلياتها وتقديم ثقافة جديدة للمجتمع.

السيد حسن نصر الله ربما لم يخرج في خطابه أمس عن أي إمام في جامع أو مسجد ... وهو أيضا ردد عبارات نسمعها يوميا من التراثيين ... لكنه في المقابل وضع كل ما قاله في مجال خارج عن إطار "الجغرافية التعبدية" التي تتيح لنفسها خلط الأمور. فالشاهد الديني، كما فهمناه على الأقل، كان شاهدا ثقافيا يمكن البناء عليه، وليس دعوة مطلقة تحشر الحياة وفق عبارات يحفظها المسلمون عن ظهر قلب.