الزمن الذي سيدخل فيه ميلس إلى سورية ليس عاديا، لأن التحقيق هو آخر الهموم .. والتحقيق سواء اتبع استنتاجات جنائية أو سياسية فإنه لن يرجع عقارب الزمن إلى الخلف، ولن يدع "صراخ القبائل" يتوقف ليرسم "مجتمع المدينة" على غرار التاريخ الإسلامي.
ميليس قادم في الزمن الذي أصبح كشف الحقيقة أهم من الحقيقة ذاتها، وهو زمن نضيعه في كل لحظة وربما علينا أن نسأل أنفسنا كيف ستكتمل الصورة .. أو كيف سنبنيها من جديد ...

وإذا كانت التصريحات الرسمية السورية تبدي اطمئنانا لعملية التحقيق، لكن الموضوع ليس في عملية الاطمئنان بل أيضا في شكل العلاقات الإقليمية مع سير عملية التحقيق. وفي العلاقات الداخلية السورية أيضا مع الدخول في محاولات استكمال السيناريو الذي يبدو أن بعض الأقطاب اللبنانيين واثقون من القدرة على تنفيذه. بل يملكون من "الوقائع" أكثر مما يصرح عنه ميليس . (للاستزادة حول التحقيق ومعرفة ما لا يعرفه مجلس الأمن يمكن العودة إلى مقابلة السيد نهاد مشنوق مع فضائية الجزيرة أمس).

المسألة اليوم أن مسار التحقيق يعتبر الأوسع من نوعه في تاريخ المنطقة، وهو تحقيق اعتمد أساسا على شهادات سياسية، ودون تشكيك بنزاهة التحقيق أو حتى باستباق نتائجه فإنه في النهاية يقود منذ اللحظة إلى محاسبة سياسية كاملة. وإلى نظر لتاريخ البلدين بشكل جديد، وهو أمر قاله الأستاذ نهاد مشنوق ..

لكن يحق لنا أن نضيف بعضا من الجمل على مسألة النظر إلى تاريخ المنطقة عموما. فما يجول اليوم هو النظر إلى تاريخ المنطقة من زاوية واحدة لا تختلف أبدا عن الزوايا التي تم تبنيها سابقا وذلك مع اختلاف المسميات.

الكارثة الحقيقية أننا اكتشفنا مؤخرا أسماء كان بالإمكان التعامل معها في مواجهة الحملة الإعلامية ضد سورية ... واكتشفنا أن الصحافة التي فتحت أبوابا للسوريين كي يكتبوا فيها كان بالإمكان مواجهتها بحقائق أيضا عبر شخصيات لبنانية ربما آثرنا نسيانها لحظة كنا محتاجين لها.

ما جرى منذ أشهر بين لبنان وسورية لم يضع دمشق في موقف حرج كما تتحدث التحليلات ... بل وضع المجتمع السوري في حالة من الذهول لعدم امتلاكه أدوات قادرة على تجاوز الأزمة أو مواجهة الاستحقاق ...

ميليس قادم ... وهذا ليس تهديدا كما يحلو للبعض أن يستخدمه، بل هو حركة للتكوين الإقليمي، ومواجهة التكوين الإقليمي لن تكون فقط عبر القنوات الرسمية، وربما علينا إعادة النظر بما نملكه كمجتمع من أدوات.