واشنطن: على الرغم من العديد من المصالح المشتركة (بما فيها معارضة "السيطرة" الأمريكية بشكل عام والغزو الأمريكي للعراق بشكل خاص)

فإن العلاقات السورية الروسية لم تكن متقاربة كثيراً خلال معظم فترة رئاسة بوتين، بينما على العكس كانت العلاقات الروسية الإسرائيلية متقاربة جداً وخاصة في عهدي بوتين ورئيس الوزراء أرييل شارون.

لكن منذ أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كانون الثاني 2005 في موسكو والعلاقات الروسية السورية تتحسن بصورة ملحوظة، لدرجة أن روسيا وافقت على أن تبيع أنظمة صواريخ جو دفاعية متقدمة إلى روسيا على الرغم من المعارضة الأمريكية والإسرائيلية. ومع ذلك فإن بوتين ابتعد تماماً عن إظهار أي تراجع جدي في العلاقات الروسية الإسرائيلية، وكان يسعى للإبقاء على علاقات وثيقة مع كل من إسرائيل وسوريا في آن واحد. والأكثر من ذلك أنه على ما يبدو ينجح في تحقيق هذا التوازن الدقيق.

اختار قادة معظم البلاد إما انتقاد سياسة بوتين تجاه الشيشان، أو أبدوا استعدادهم لتأييدها، أما شارون فإنه عبر عن دعمه الكامل لأسلوب بوتين القاسي واصفاً إياه بأنه "ضروري"، كما الأسلوب الذي يتبعه هو مع الفلسطينيين. قام الزعيمان بتطوير علاقة صداقة قوية، وأبدى بوتين في عدة مناسبات قلقه تجاه سلامة وأمن الجالية الكبيرة من سكان إسرائيل الناطقين بالروسية. التجارة بين روسيا وإسرائيل أكبر بكثير منها بين روسيا وسوريا، كما أن هناك تعاون أمني هام بني روسيا وإسرائيل وقد تطور بصورة خاصة بعد مأساة بيسلان عام 2004.

على ضوء هذا، فإن التحسن المفاجئ في العلاقات الروسية السورية مع بداية عام 2005 بدا وكأنه يمثل تهديداً للعلاقات مع إسرائيل. عبر السياسيون والمراقبون الإسرائيليون عن انزعاجهم بصورة خاصة تجاه نية بوتين بيع صواريخ دفاعية إلى دمشق على الرغم من أن القادة الأمريكيين والإسرائيليين كرروا طلبهم إليه ألا يفعل.

على الرغم من ذلك تابعت الحكومتان الروسية والإسرائيلية التصرف من أجل احتواء وتقليص الخلافات بينهما. جيورجي ميرسكي من معهد موسكو للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولي، وهو خبير ومراقب روسي مخضرم مختص بعلاقات موسكو مع الشرق الأوسط، تنبأ أن "تسليم الصواريخ الروسية إلى دمشق لن يثير أي نزاع" مع إسرائيل. أما يفغيني ساتانوفسكي مدير معهد موسكو لدراسات إسرائيل والشرق الأدنى، وأحد المؤيدين النشطين لتقارب العلاقات بين روسيا وإسرائيل فقد قال أن بيع الصواريخ الروسية إلى سوريا سوف يكون له تماماً "نفس التأثير الذي تحدثه مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية على العلاقات بين أمريكا وإسرائيل، إي بمعنى آخر لا شيء".

في نيسان 2005 قام زيارة بوتين إلى إسرائيل (ومصر أيضاً ولكن ليس إلى سوريا) وأعاد خلالها التعبير عن قلقه تجاه أمن إسرائيل، وأكد متانة العلاقات الروسية الإسرائيلية على الرغم من بيع الصواريخ إلى سوريا، وعليه فإن التطورات الأخيرة في العلاقات السورية الروسية على ما يبدو لا تشكل دلالة على وجود تحالف قوي بين موسكو ودمشق، وإنما علاقة على مستوى أقل.

في الحقيقة السؤال المطروح حول التطورات الأخيرة في العلاقات الروسية السورية هو: ما الفائدة من هذه التطورات سواء بالنسبة لدمشق أو موسكو؟ حتى وقت قريب لم تكن سوريا تملك أي حافز لتطوير علاقاتها مع موسكو، لكن التدخل الأمريكي العسكري في العراق، والأكثر منه الضغط الأمريكي-الأوربي على سوريا بخصوص لبنان عزز من إحساس دمشق بفقدان الأمن مما زاد رغبتها في تقوية علاقتها مع موسكو.

هذا هو بالضبط الوضع الذي يريد بوتين أن يرى سوريا فيه. قد لا تكون روسيا مستعدة أو قادرة على الدفاع عن سوريا، إلا أن شعور سوريا بفقدان الأمن وعزلتها عن العالم الغربي جعلها تعطي الأسلحة الروسية وشركات النفط الروسية امتيازات للدخول إلى سوريا (وهناك تقارير عن مفاوضات بين هيئة الطاقة الذرية الروسية والسورية لكن هذه المحادثات لم تثمر بعد).

موسكو لا تريد أن تتحسن علاقات سوريا مع الغرب أو أن تعقد سلاماً مع إسرائيل، لأنه في هذه الحالة سيكون على الشركات الروسية أن تتنافس مع الغربية في الاقتصاد السوري وهذا شيء غير مرغوب بالنسبة لها. من ناحية أخرى لا ترغب روسيا بوجود نظام سني عدائي يصل إلى السلطة في دمشق لأن روسيا في هذه الحالة سوف تفقد بالتأكيد أي عقود أو استثمارات أو امتيازات أخرى التي حصلت عليها من النظام الحالي (بما فيها المشاريع الروسية البحرية في مدينة طرطوس). إذن الوضع الحالي في سوريا هو الأنسب بالنسبة لبوتين من أجل الحفاظ على المصالح الروسية القائمة على أساس التجارة والمتواضعة نسبياً هناك.

كذلك فإن هذا لا يشكل تهديداً جدياً يمكن أن يضر بعلاقات روسيا سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، لأن موسكو تدرك أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تحبان بشار الأسد كثيراً لكنهم مع ذلك يخشون أنه في حال الإطاحة به فإنه سوف يستبدل بأصوليين إسلاميين، الأمر الذي يعطي كلاً منهما الحافز لمساعدة موسكو على دعم ومساندة الأسد.

مصادر
يونايتد برس إنترناشيونال (واشنطن)