قال خبير سياسي بريطاني في شؤون الشرق الأوسط إن من أسباب إحجام الرئيس السوري بشار الأسد عن الذهاب إلى نيويورك للمشاركة في القمة الأممية التي تبدأ أعمالها هناك في 14 سبتمبر الجاري، هو خشيته وقوع انقلاب يطيح حكمه في غيابه عن البلاد، وأشار الخبير دين غودسون وهو مدير الأبحاث في معهد Policy Exchange وهو معهد متخصص بالتبادل الفكري للسياسات في مقال نشرته صفحة الرأي في صحيفة (التايمز) البريطانية اليوم إلى أن "بعض رجال الحرس القديم من حزب البعث الحاكم مستاء من افتقار الأسد إلى الحنكة في التعامل من قضية لبنان واضطراره إلى تعويض ذلك بالسماح لمحققي الأمم المتحدة بدخول سورية".

وتحليل الكاتب البريطاني يأتي بعد خمسة أيام من المعلومات التي انفردت بها إيلاف وقالت فيها إن الرئيس السوري أحجم عن زيارة نيويورك خشية حدوث تطورات خطيرة في غيابه، خاصة وأن دمشق تستعد لاستقبال المحقق الدولي ديتليف ميليتس الذي يطارد بتكليف دولي المتورطين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

وإلى اللحظة تحوم الشبهات حول بعض المسؤولين الأمنيين السوريين الكبار المحيطين بالرئيس السوري ومن بينهم وزير داخليته غازي كنعان الذي كان رئيسا للاستخبارات العسكرية في لبنان لعشرين عاما، وخليفته اللواء رستم غزاله، كما أنه لا يستبعد أن يخضع الرئيس بشار نفسه لمساءلة من المحقق الألماني.

وكان مصدر إعلامي رسمي سوري رد على معلومات إيلاف بكثير من الاستهجان والاستنكار والتكذيب، إلا أن بعد ساعات من رد العل الغاضب رسميا صدر بيان عن القصر الجمهوري أعلن أن لرئيس الأسد لن يشارك في القمة الأممية ولن يزور نيويورك، ولم يعرف بعد ما مستوى التمثيل السوري في تلك القمة.

وإليه، فسر الكاتب البريطاني في تحليله الذي كتبه تحت عنوان "تغير النظام الحاكم يتقدم ببطء على الطريق المفضي إلى دمشق" أن "أسباب تراجع الرئيس السوري بشار الأسد، عن زيارة مقررة إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة، مؤشر على ضعف النظام الحاكم هناك".

ورأى غودسون أن الرئيس السوري يخشى أن تتم إدانته وهو في نيويورك على خلفية التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، والذي يجريه كبير محققي الأمم المتحدة الألماني ديتليف ميليس، الذي وجه أصابع الاتهام بالفعل إلى أربعة من المسؤولين الأمنيين اللبنانيين الموالين لسورية، في إطار مهمته لمطاردة كل المتورطين في اغتيال الحريري على امتداد الطريق المؤدي

وتذهب التايمز في التحليل إلى القول بأن بعض الشخصيات في النظام الحاكم في سورية تخشى من أن هجوما بصاروخ واحد قد يقوض النظام بإثبات عجزه عن حماية السيادة السورية، ثم تتساءل من جهة ثانية "هل سيتم استغلال هذا الضعف السوري؟" مضيفة أن الأميركيين يريدون بالتأكيد تغيرا في سلوك النظام السوري " ولن يذرفوا عليه دمعة واحدة إذا سقط."

ومن زاوية ثانية يقول المحلل البريطاني إن خشية متزايدة عند السعوديين والأردنيين من اتساع رقعة الأصولية الشيعية من إيران إلى العراق ثم إلى سورية، وهو ما تصفه الصحيفة بـ"صراع الحضارات" الحقيقي في الشرق الأوسط. وكان عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني حذر قبل حوالي ستة أشهر في تصريحات كان لها ردات فعل غاضبة في أكثر من مكان فيه غالبية شيعية من قيام ما سماه (هلال شيعي) يمتد من إيران عبر جنوب العراق وسورية وصولا إلى لبنان "الأمر الذي يهدد منطقة الجوار الخليجي بأخطار كثيرة".

وتقول الكاتب البريطاني غودسون "لكن يبدو أن الأميركيين ، بعد تجربتهم في العراق، ليسوا في مزاج يسمح بالعمل على تغيير النظام السوري بأنفسهم، كما أنهم لا يتوقعون ظهور غورباتشوف سوري من داخل النظام"، إذ بدلا من ذلك "يبدو أن الإدارة الأميركية ترجح انتهاج طريق وسط، كما تشعر بالحاجة إلى معرفة المزيد عن البدائل لنظام البعث السوري، أما مصير سورية فقد تحدده عوامل غير مرتبطة ببعضها البعض".

وربط الكاتب في مقدمة مقاله التي احتلت مساحة كبيرة في صفحة الرأي في صحيفة (التايمز) بين ما لم تكن تتوقعه زوجة رئيس وزراء بريطانيا الراحل انتوني إيدن حين داهمتها أزمة قناة السويس فجأة العام 1956 وأدت إلى خروج زوجها من مقر 10 داونينغ ستريت وبين موقف السيدة أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري التي تعيش في قصرها في دمشق تحت تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

ويقول "هذه التداعيات يبدو حرمت أول زوجين بعثيين في الرئاسة السورية من مشاركة زعماء العالم في القمة الدولية، وكذلك من التمتع مع أطفالهما بمناظر سنتر بارك الجميلة في قلب نيويورك، والمشاركة في عروض تشارلي روز أو الاستمتاع بالتسوق في أفخر محال ومخازن الشارع الخامس الراقي".

ولكنه يضيف "كل هذا لن يتم لن الزوج الرئيس ألغى زيارته في آخر لحظة خشية إدانته في اغتيال الحريري وهو غائب عن بلاده، من جانب لجنة التحقيق الدولية التي ستزور دمشق قريبا برئاسة المحقق الألماني ديلتيف ميليس، وهذه التحقيقات بدعم من الفرنسيين وبعض أجهزة الاستخبارات العالمية السرية الأخرى محتمل أن تقود إلى اتهام الرئيس الأسد نفسه".

ويتحدث الكاتب البريطاني في فقرة أخرى، عن كيف أن البعثيين في سورية صاروا يعتبرون أنفسهم ضحايا للإرهاب أمام المطالب الأميركية التي تصر على ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة من جانب دمشق ضد عرّابي المسلحين والانتحاريين الذين ينفذون عمليات إرهابية من خلال تسللهم من سورية إلى الأراضي العراقية.

وفي الختام يعتقد المحلل البريطاني غودسون أن كل هذه التداعيات ابتداء من مسألة التحقيق في اغتيال الحريري إلى دعم المسلحين الإرهابيين جعلت ظروف فرض حصار على سورية قريبة جدا، حيث أن مجلس الأمن سيطلع قريبا على نتائج تحقيقات ميليس "خاصة وأن الولايات المتحدة تتوجه للضغط في هذا الاتجاه تنفيذا لقانن محاسبة سورية، هذا إضافة إلى دعم من الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي فُجع باغتيال صديقه الحميم الراحل رفيق الحريري".

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)