الإدارة الأمريكية تكتب واقعها الخاص.. والوضع الإقليمي يسير نحو الفوضى .. هذه هي الصورة التي استقبلنا بها التهديد الأمريكي الجديد، صورة القتل بـ"الدم البارد" .. رغم أن سمة "الدم البارد" ليست جديدة لكنها اليوم موثقة بشكل واقعي وليس بأحد استوديوهات هوليود.

الإدارة الأمريكية تتبدل بالفعل لتنقل ثورة التطرف شرقا .. ولترسم مؤشرات أيضا بأن التوتر لن ينزاح قريبا عنا، فكوندليزا رايس القادمة من ملفات الحرب الباردة نحو الخارجية الأمريكية تعطي صورة مبدئية عن حجم الفوضى المتوقعة، على الأخص أنها ستقود معركتها السياسية من رائحة الدم والبارود في العراق .. فهل هذه الصورة متشائمة؟!!

ربما علينا قراءة "العالم الجديد" لنستطيع قراءة المستقبل في أوطاننا، فالعالم الجديد كمصطلح وسم أمريكا في البدايات حمل نقطتي ارتكاز: الاستيطان والجرأة .. فهل يذكرنا هذا الأمر بواقع في منطقتنا. والعالم الجديد انطلق من طاقة التصفية الجسدية التي نقلها الغرب الأمريكي كرمز مازال موجودا في الثقافة الأمريكية، فهل هذا الأمر يعيد إلى ذاكرتنا صورا محلية.

الولايات المتحدة ليست المحافظين الجدد، فهي مجموعة من المصالح والتوازنات الدقيقة، وتعبر عن مجتمع مركب ومعقد. والولايات المتحدة كما يروج الكثيرون لا تملك هواية القتل والتدمير .. والولايات المتحدة تسعى أخيرا إلى اكتساب مصالح العالمية بالإبداع .. ربما تكون كافة هذه الأمور صحيحة .. وربما يأخذنا الإعجاب بحجم التقنيات والبحث العلمي الصادر عنها، لكن ما يجري اليوم يضعنا أما افتراق ثقافي حاد، لأننا لا نستطيع احتمال طاقتها في زرع الفوضى والقتل .. ولا نستطيع أيضا تمثل قيم الديمقراطية المزروعة في خطابها السياسي بشكل مكثف، طالما ان الخطاب الديمقراطي غير قادر على الحوار إلا بفوهات البنادق.

"العالم الجديد" خارطة ترسم كل لحظة .. والشرق القديم استنزاف واستباحة .. ولكن السؤال هل نحن قادرون على شق الطريق لولادة "الشرق الجديد"؟

وسط الفوضى اليوم يتراجع صوت العقل .. وعبر التطرف المزروع قسرا يصعب إيجاد لون جديد .. لكن العقل الذي ينظر للمستقبل قادر على إيجاد طيف الغد .. هذا على الأقل ما نريد العيش لأجله.