تزامن عنف المعارك في تلعفر العراقية المحاذية للحدود السورية، مع أعنف هجوم كلامي شنه مسؤولون أميركيون وعراقيون على دمشق، بتهمة التعاون مع ناشطي تنظيم «القاعدة» وتسهيل دخولهم الى الأراضي العراقية،وترافق ذلك من بدء قاضي التحقيق الدولي ديتليف ميليس زيارته لسورية، فهل تلعفر هي المقصودة فقط بالهجوم الأميركي أم ان النظام السوري مهدد أيضا؟

تتقاطع بعض الاجابات الغربية والعربية في شأن هذا السؤال، حول نقطة اساسية مفادها، أن الولايات المتحدة التي يقول سفيرها في العراق زلماي خليل زاده ان «صبرها قد نفد» من سورية، توحي بحاجتها الى تحميل دمشق مسؤولية أساسية في منع السلام العراقي والحؤول دون الأنتهاء فعليا من أزمة السنة في الدستور, وهذا يفترض أن يدفع نظام الرئيس بشار الأسد الثمن عاجلا أم آجلا.

ويصل بعض السيناريوهات «الكوارثية» الى حد الحديث عن عملية عسكرية خاطفة في سورية، تشجع البعض على استكمال ذلك بانقلاب او باحداث خضة أمنية وسياسية كبيرة في الداخل تكفي لاطاحة النظام, لكن، هل هذا هو المقصود فعلا بالتصعيد الأميركي الخطير، امنيا عند حدود سورية، وسياسيا من قلب «العمق الاستراتيجي لسورية»، أي العراق (وفق وصف كبار المسؤولين السوريين).

تتناقض الاجابات الغربية والعربية حول الهدف الأميركي الفعلي من هذا التصعيد ومن دفع المسؤولين العراقيين الكبار وبينهم وزير الدفاع سعدون الدليمي الى حد الطلب الى سورية بـ «الكف عن ارسال الدمار الى العراق»،ويمكن اختصار بعض التحليلات بالآتي:

- تقول مصادر أميركية مسؤولة ان «القرار السياسي باسقاط النظام السوري لم يتخذ بعد»، وذلك في ما يؤكد مسؤول لبناني بارز بأن الرئيس المصري حسني مبارك أبلغ ضيفا لبنانيا في خلال الايام القليلة الماضية ان الولايات المتحدة جادة في سعيها لقلب النظام السوري، وان على الرئيس بشار الاسد عدم ارتكاب الاخطاء الفادحة التي ارتكبها صدام حسين ,

-ان صدور الاتهامات لسورية عن سفير الولايات المتحدة في العراق زلماي خليل زاده وليس عن الرئيس جوج بوش او البيت الأبيض، يعني ان المقصود هو رفع التحذير الى اقصاه وليس التنفيذ في الوقت الراهن.

-ان رفع سقف الاتهامات الى حد التلويح بعمل عسكري حيث ان زاده لم يستبعد أي خيار، يراد منه قطع دابر التدخلات السورية في الشأن العراقي، خصوصا ان ثمة قناعة عامة بأن التأثير السوري في الطائفة السنية العراقية وبين العشائر لا يزال قائما، ولذلك فان اتهام مسؤولين عراقيين لدمشق بارسال الدمار من شأنه تشويه صورة سورية وجعلها هدفا لعداوات العراقيين لاحقا (أي الآن وبعد خروج الأميركيين).

- ان استجابة سورية (ولو المبدئية حتى الآن) لمطب ميليس الاستماع الى شهود سوريين متهمين بالتورط باغتيال الرئيس االشهيد رفيق الحريري، يقطع الطريق (ولو موقتا) على القائلين بعدم رغبة سورية بالتعاون، وليس مقبولا في الوقت الراهن استعادة سورية انفاسها، وانما المطلوب اشعارها في كل وقت بأنها محاصرة ومعزولة، وان عليها تلبية المطالب الدولية من دون قدرة على التفاوض، لذلك، كان لا بد من تحريك الملف العراقي الذي يبقى مع ايران اهم نقطتين في الملفات العالقة بين سورية والولايات المتحدة.

-ان الاطاحة بالنظام السوري ليست بالضرورة مفيدة لجورج بوش، ليس لان الامر لن يكون سهلا او لانه قد يؤدي الى فوضى شاملة (وفق ما يخشى البعض)، وانما لان زوال النظام سيفقد بوش القدرة على القول ان استمرار «المقاومة» العراقية مرتبط بالدعم الخارجي لها وبتسلل مسلحين من خارج الحدود.

يفهم من هذه التحليلات اذا، أن «تخويف سورية» هو المقصود، ولكن هل هذا كل المقصود؟

يبدو ان السيناريوهات الاخرى لا تزال مطروحة، فاحتمال «مغامرة» اميركية في سورية يبقى محور نقاش حتى ولو ان ثمة قناعة لدى البعض بان التحالف الايراني السوري الذي كرسه الاسد من خلال زيارته لطهران وما يتخلله من دعم ايراني عسكري محتمل لسورية، يكبح جماح بعض أصحاب الرؤوس الحامية.

والحديث عن استمرار السيناريوهات الكوارثية في سورية، يجد أسبابه الفعلية في تعثر المشروع الاميركي في العراق، ولا يمكن للرئيس الأميركي أن يتحمل طويلا هذا الانهيار الكبير في قضيتي الأمن والدستور، ولا بد من خشبة خلاص لحفظ ماء وجهه حتى ولو تطلب الامر ان يحصل ذلك خارج الحدود العراقية.

ومع وصول القوات الاميركية بهذه الكثافة الى الحدود السورية بذريعة سحق «المقاومة» في تلعفر العراقية، تصبح احتمالات المغامرة كبيرة حتى ولو ان فرنسا والسعودية (وربما مصر أيضا) تخشى الفوضى وتسعى إلى معاقبة النظام السوري من دون الحاجة إلى قلبه عسكريا.

الخطر الكبير الذي يشير اليه البعض يكمن في ان تكون ثمة «رغبة» لدى بعض مستشاري بوش باقامة نظام سني في سورية يكون مجاورا لنظام ذي غالبية شيعية مركزية في العراق، الامر الذي سيخلق «بؤرة توتر» دائمة عند حدود البلدين.

أما المتفائلون بالأمر، فيعتبرون ان السياسة الاميركية بالنسبة لسورية لا تزال عند حالها، أي ان هدفها هو الاستمرار بإضعاف النظام السوري حتى يسلم كل الاوراق من دون قدرة على المطالبة بالحصول على مقابل، وهذا بالضبط ما ستوضحه التفاصيل المقبلة في مسلسل ديتليف ميليس في دمشق، فحينها يمكن معرفة ما اذا كان الولايات المتحدة ستكتفي «بقطف» بعض رؤوس الاجهزة الامنية بغية التمهيد لتسوية مع نظام بشار الاسد، ام انها راغبة «بقطف» رأس هذا النظام.

مصادر
الرأي العام (الكويت)