كانت الأزمة السورية تتشكل ببطء في اللحظات التي أرادها البعض مجالا للحرية، بينما اعتبرها آخرون انقضاضا على الماضي. لكن الأزمة السورية لا تتجه نحو تحميل المسؤوليات، فهي مظهر عام يطال الجميع. والأزمة السورية لا ترتبط بزعيم لبناني كما يوحي الإعلام الذي يريد الانجراف نحو طبيعة قبلية. فالأزمة تتشكل مع محاولاتنا إحراق الهوية ... لأن هذه الهوية لا ترتبط بزمن أو سلطة أو نظام سياسي ... فهي الهوية التي وسمتنا منذ المؤتمر السوري وحتى اللحظات الأخير للمعادلة التي نكتبها اليوم.

الأزمة السورية لم تكن في توسيع صورتنا، داخل أنفسنا على الأقل، أو في اعتبار أننا قادرون على معاكسة "القدر" .. فهذا هو اللون السوري شكلنا وأوقعنا في الأخطاء لكنه في النهاية تمايز مفروض علينا بحكم "العادة" أو "الجغرافية" أو حتى آلية التاريخ.

الأزمة السورية التي تشكلت ببطء أرادت عكس المصطلحات، محاولة فهم الديمقراطية على أنها حرق الهوية رغم أن هذه الديمقراطية كانت اللون الذي رسمنا على شاكلة العالم العربي أحيانا، أو على صورة الوضع الإقليمي الذي تقلب منذ حلف بغداد حتى الفوضى البناءة.

و "الأزمة السورية" يمكن قراءتها دون الحاجة لـ"حرب قبائل" يتبرع البعض بشنها في كل لحظة، وكأن الصورة النهائية افتراق لا بد منه ... لكن مسألة إحراق الهوية الذي نمارسه اليوم لا يرتبط بحدث سياسي، فهو انتقام من الماضي دون النظر لما شكله هذا الماضي داخل صورتنا الاجتماعية.

"الأزمة السورية" لا تحتاج لإعلام القبائل رغم أن هذه الحرب بدأت ومستمرة، و "الأزمة" أيضا ترتسم في وضعية استرخاء وكأن العالم من حولنا ينتظر حتى نشكل صورتنا المعاصر ... فهل إعلام القبائل قادر على النفاذ إلى المستقبل ... !!!

"الأزمة السورية" ليست بعيدة عن "العزلة" التي تريدها الإدارة الأمريكية، لأنها "عزلة" عن التنوع الذي نحمله .. وافتراق عن هوية ليست ضد الديمقراطية أو الليبرالية أو حقوق الإنسان .. إنها هوية تعرف أن تقلب التاريخ لا علاقة له بشخصية سياسية تطلق التصريحات، وتعي أن تعميق الافتراق اليوم ربما يشكل بداية مستقبل ينسينا التنوع ... أو ينهي صورتنا المعاصرة.