حتى اللحظة الاخيرة من فرز الاصوات في الانتخابات العامة الالمانية التي جرت امس، لم يكن اسم المستشار الالماني الجديد قد اعلن. حيث كان التعادل هو السائد بين الحزب الاشتراكي الالماني وتحالف المحافظين المسيحيين (الديموقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي) حتى ساعة متقدمة من فجر اليوم.

ولم تكن الشكوك تساور احداً، قبل ان تبدأ اوراق الاقتراع تتساقط في الصناديق امس، بأن المرأة القادمة من بلدة صغيرة في شرق البلاد انجيلا ميريكل ستكون اول سيدة تحكم المانيا، لكن رياح الاستطلاعات لم تجر كما اشتهت سفن صناديق الاقتراع التي ساوت بينها وبين المستشار الحالي لدورة كاملة واخرى قبل سنتين من انتهائها، غيرهارد شرودر. وكانت الانتخابات العامة الاخيرة حصلت في العام 2002.

لكن المفاجأة الاكبر، شاء الالمان ان تكون من الشرق ايضا. فحزب اليسار (الشيوعي في الشطر الالماني الشرقي السابق) ضاعف غلته من الاصوات 8.2 في المئة من نسبة المقترعين بعدما كان الشيوعيون فشلوا في الانتخابات السابقة من بلوغ الحد الادنى للتمثل في البوندستاغ ولم يحصدوا سوى 4 في المئة في حينه. واللافت، ان الشيوعيين السابقين كانوا اسسوا حزبهم الحالي الذي خاضوا الانتخابات به في تموز (يوليو) الماضي فقط.

اما حزب الديموقراطيين الاحرار (الليبرالي)، فقد تمكن بدوره من زيادة غلته الى 9.8 في المئة بعدما كانت سابقا 7.4 في المئة.
وتراجع الخضر الى 7.9 في المئة، فيما كانوا حصلوا في الانتخابات الماضية على نسبة 8.6 في المئة.

الخاسران في سباق 2005 الانتخابي كانا الحزبان الاكبر: الاشتراكي الديموقراطي الذي انخفضت نسبته الى 34 في المئة من 38.5 في المئة، والديموقراطي المسيحي وحليفه المسيحي الاجتماعي الذي انخفضت نسبة ما حصل عليه تحالفهما الى 36.2 في المئة من 38.5 في المئة المرة السابقة.

وكانت الارقام تختلف بين لحظة واخرى مع تواصل عمليات الفرز، التي لن تعلن قبل صباح اليوم. فالنسب السابقة ساقتها وكالة "اسوشييتد برس" الاميركية وقالت انها ناجمة من فرز اقلام اقتراع 255 مقاطعة من 299 مقاطعة. اما محطة تلفزيون "بي بي سي" البريطانية، فقد اشارت الى ان الديموقراطي المسيحي والمسيحي الاجتماعي حققا 35.2 في المئة، والاشتراكي الديموقراطي 34.1 في المئة والليبرالي 10 في المئة، ثم الشيوعيون 8.6 في المئة واخيرا الخضر 8.1 في المئة.

ووفق الـ"بي بي سي"، فإن مقاعد البرلمان الالماني (البوندستاغ) ستكون على النحو التالي: 222 مقعدا لكل من حزبي شرودر وميريكل، 62 مقعداً لليبراليين، 54 مقعداً للشيوعيين، و51 مقعداً للخضر.
التقارب الشديد في الارقام التي حازها الحزبان الرئيسيان دفع كلاً من ميريكل وشرودر الى اعلان ان كلاً منهما المستشار المقبل لألمانيا.
واعلنت ميريكل انها "ستبدأ محادثات مع كافة الاحزاب الالمانية باستثناء حزب اليسار" (الشيوعي) من دون ان تستبعد هكذا فرضية تشكيل ائتلاف واسع مع الاشتراكيين الديموقراطيين. واقرت ميريكل(51 عاما) وهي ابنة كاهن متحدرة من المانيا الشرقية بأن الحكومة "الحمراء ـ الخضراء (الحزب الاشتراكي الديموقراطي والخضر) انتهت. لكننا لم ننجح في الفوز بغالبية مطلقة" للمحافظين والليبراليين. واشارت الى ان "الحملة الانتخابية انتهت وان الامر يتمثل حاليا في تشكيل حكومة مستقرة"، مؤكدة ان "الائتلاف المسيحي الديموقراطي حصل على التفويض الشعبي باعتباره اقوى الاحزاب في الساحة السياسية الالمانية وذلك على الرغم من اعترافها بأن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون أمرا صعبا".

اما شرودر فبدا مصمماً على البقاء في السلطة، رافضا فكرة فوز ميريكل. واكد المستشار الالماني الذي اكد ثقته الكبيرة في شغل كرسي المستشارية في كلمة في مقر حزبه، وقال "اعتبر ان لدي التاكيد انني ساعمل في السنوات الاربع المقبلة لتكون هناك حكومة مستقرة برئاستي". واعلن شرودر انه يعتمد لتشكيل حكومة على اجراء محادثات مع كافة الاحزاب السياسية الالمانية اعتبارا من اليوم باستثناء الشيوعيين السابقين.

اضاف ان "من يريدون بديلاً في المستشارية فشلوا بطريقة كبيرة"، في اشارة الى النتيجة التي حصل عليها المحافظون والليبراليون والتي لا تمنحهم الغالبية المطلقة.

ووفق ما جرت العادة، فإن الحزب الفائز يشغل كرسي المستشارية الالمانية. لكن اذا سارت التحالفات بشكل مخالف للتحالفات الانتخابية، فإن الامور سوف تسير في طريق اخر.

ففي حال تحالف المحافظون مع الليبراليين فإن عدد المقاعد التي سيشغلونها ستبلغ 283 مقعدا، وهي غير كافية لتشكيل الحكومة. وبالطبع فإن تحالف الاشتراكي الديموقراطي مع الخضر غير قادر على تشكيل الحكومة المقبلة مع عدد مقاعد في البوندستاغ هو 273 مقعدا.
الالتفافة التي يراهن عليها شرودر، هي ان ينضم الى تحالف "الاحمر ـ الاخضر" الليبراليون، فيكون بذلك عدد المقاعد التي يشغلها هذا التحالف المفترض 335 مقعدا، وبدعم من الشيوعيين المستبعدين من اي تحالف، فإن باستطاعة شرودر تشكيل الحكومة المقبلة، لكن ايضا بغالبية ضئيلة جدا، تحتاج الى تحالف مع المحافظين.

المؤكد، هو ان المانيا تختبر اعتبارا من اليوم اكثر تجاربها السياسية غرابة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث الغموض يسيطر، فيما اسواق المال تفاعلت مع الوضع بتراجع في مؤشراتها.
وأدلى شرودر وزوجته دوريس بصوتيهما وسط حشد من المصورين في مركز اقتراع لا يبعد كثيرا عن منزلهما في مدينة هانوفر في غرب البلاد. وظهر بشكل باعث على الضحك امام العدسات عندما ملأت زوجته بطاقتها الانتخابية قبل ان يغادر ماسكاً بيدها من دون ان يدلي بتصريح للصحافيين الذين كانوا بانتظاره.

اما ميريكل فأدلت بصوتها في وسط برلين مع زوجها يواخيم ساور وهو عالم كيميائي واستاذ في الجامعة معروف بابتعاده عن أضواء الاعلام.
وكان 62 مليون ناخب الماني توجهوا امس الى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابهم.