الصورة الباهتة يتم رسمها بشكل بطيء داخل العقل الاجتماعي .. واليوم لم يعد ممكنا السؤال عن الكم الكبير من الإحباط الذي رافق الأجيال او يرافقها اليوم.. لم يعد ممكنا اليوم السؤال عن الضحايا المرتقبين (الهامشيين وفق التقارير العسكرية الأمريكية) الذين يمكن ان يسقطوا بعد اجتياح الفلوجة، لأن قانون الاستباحة لم توجده الإدارة المريكية، فهي تستعمله فقط، بل اوجدناه نحن منذ ان قررنا أن الأخطاء التاريخية هي عارض أو حدث لا يتعلق بصلب تحديد هويتنا وثقافتنا .. والاستباحة نفسها لم تعد مجالا للسؤال .. طالما اننا قادرون على استباحة انفسنا وتجريدها من إنسانيتها من خلال تضيق مجال الشك والسؤال، والاتجاه نحو الصيغ التقريرية.

الصورة الباهتة التي نراها ليس لعالم منقسم، وربما يكون منقسما، لكنها انعكاس لحالة الهجر التي أردناها عن موقع الإبداع والجرأة الذي يحمل الخطأ والصواب .. فهناك قرار جماعي نحو الإبمان بان هناك "صح" مطلق لذلك لا حاجة للتجربة.

الساعات القادمة ربما تحمل اكثر من شكل للاستباحة .. فالمسألة ليس محصورة في جغرافية محددة داخل العراق .. والاستباحة هي في النهاية منهج يريده البعض لبقاء شكل من الاستقواء على العقل والمواطنة، قبل ان تكون دما مهدورا من فلسطين إلى العراق.

ربما في المستقبل القريب نستطيع إضافة بعض اللون إلى الصورة الباهتة .. وربما نعطيها وقعا دراميا كما يتم اليوم في مسلسلات التاريخ الافتراضي .. لكن كافة ما سنقوم به مستقبلا سيعتبر إضاعة لفرصة التفكير الحالية .. ولوضع الشك كأساس لتحديد الحالة المعرفية التي تتيح قانون الاستباحة الحالي.

الغد لم يهرب يوما ممن يسعى لامتلاكه .. ومهما كانت الصورة باهتة لكن الغد يمكن امتلاكه ولكن .. بالعقل وليس باستباق النتائج ...