تسمع بعض النكت فتعتقد أنها بسيطة إلى حد السذاجة،لكن عندما تستعيدها في ظروف أخرى تقتنع أنها كانت عميقة إلى حد أنك لم تنتبه لذلك،و بالتالي فأنت من كان ساذجا و ليس النكتة،و من هذه النكت نكتة شاعت في أمريكا أثناء تحضير الإدارة الأمريكية للعدوان على العراق أواخر عام 2002. تقول النكتة إن الرئيس الأمريكي بوش خطب في الكونغرس ليعرض مبررات غزو بلاده للعراق،تحدث أولاً عن أسلحة الدمار الشامل و ضرورة تخليص العالم من خطرها،ثم بدأ يتحدث عن معاناة العراقيين من نظام صدام فهم يعانون من البطالة و الفقر و غياب الضمان الصحي و من أزمة سكن و انقطاع للتيارالكهربائي،و كل ذلك بسبب صدام الذي يصرف الأموال على التسلح و بناء القصور،لذلك فالولايات المتحدة قررت غزو العراق من أجل تخليص الشعب العراقي من وضعه الراهن،و بدأ بوش يشرح البرامج التي ستطبقها الولايات المتحدة بعد إزاحة نظام صدام،فقال :

-سنحل مشكلة البطالة عبر إيجاد الوظائف،و سنقضي على الفقر،و سنقدم لهم ضماناً صحياً و نؤمن تعليمأولادهم.......الخ

كان من بين المستمعين أحد شيوخ ولاية لويزيانا،فانتظر حتى انتهى الرئيس من خطابه و رفع يده مطالباً بالكلام،فأذن له رئيس الكونغرس،و بعد أن شكر الرئيس بوش على كلمته و أثنى عليها. قال إن الولاية التي يمثلها،أي لويزيانا، تعاني من نفس المشاكل التي يعاني منها العراق،فالبطالة منتشرة و كذلك الفقر و أغلبية السكان بدون ضمان صحي ، كما أن الأولاد لا يتعلمون....الخ.و للتخلص من كل تلك المشاكل طلب النائب من الرئيس بوش أن يطبق برنامجه العراقي على لويزيانا،فقبل الرئيس بوش هذا الطلب بكل رحابة صدر.و تتمة النكتة أن الرئيس بوش أرسل الطائرات لتقصف لويزيانا بناءا على طلب النائب

وبالفعل تحققت هذه النكتة على أرض الواقع فبعد أقل من ثلاث سنوات من غزو العراق رأينا بوش يقصف لويزيانا بالقنابل،فما جرى هناك ليس مجرد كارثة طبيعية و إنما هو وثيق الصلة بقصف القنابل،فالسدود انهارت لأنهم حولوا الأموال المخصصة لتدعيمها لشراء القنابل لقصف العراق. و خطط الطواريء انتزعت ميزانيتها لقصف العراق بالقنابل،و بعد كل هذا جرى قصف لويزيانا بقنابل اقتصاد السوق الحر،وعقيدة الليبرالية الجديدة فبدل أن تقوم الحكومة بإخلاء السكان طلبت من كل شخص أن يغادر بمعرفته،أي أنه يتوجب على كل شخص أن يدبر أموره بنفسه دون تدخل من الدولة،و هذا هو جوهر الليبرالية الجديدة التي تكره الدولة. بل تعتبرها كائنا طفيلياً مستهلكا للمال وتساهم بخلق مواطنين اتكاليين،لذلك يجب إبعادها عن حياة الناس أو تصغيرها إلى حد تكون قادرة على دخول الحمام و الجلوس في البانيو،كما قال أحد منظريهم.لقد صغروها فأبعدوها عن نيو أورلينز،و بالمقارنة فإن كوبا قد أخلت عشر سكانها العام الماضي في ظروف مشابهة دون أية ضحية،لكن كوبا دولة توليتارية لا تتبع قوانين السوق الحر و بالتالي فإن الدولة تتدخل في كل التفاصيل و منها هذا التفصيل الصغير،إخلاء السكان من منطقة كوارث. وبما أن كثيراً من سكان هذه المدينة من الأفارقة العاطلين عن العمل و ليس لديهم مكاناً يهربون إليه و لا يملكون مالا و لا وسيلة نقل فقد قرروا أن يبقوا في أماكنهم فداهمتهم الفيضانات.

ولأن القاعدة الذهبية لليبرالية هي (( دعه يعمل دعه يمر )) فقد تركوا متعهدي البناء و المقاولين والأغنياء يعملون و يمرون فجففوا المسطحات المائية المحيطة بالمدينة المنكوبة و التي كانت تقلل من خطر الفيضانات،و حل بدلا عنها بنايات سكنية و مشاريع فكانت النتيجة فيضانات مدمرة. و عندما حلت الكارثة لم تجد الولاية حرسها الوطني و لا معداتهم لأن بوش أرسلهم لرمي القنابل في العراق.

لقد استجاب بوش لطلب نائب لويزيانا و طبق برنامجه العراقي بحذافيره في لويزيانا و هذه هي النتيجة،لقد صار للولايات المتحدة عراقها الداخلي. كم كانت عميقة و ذات بعد مستقبلي تلك النكتة.

بما أننا ما زلنا في أيلول شهر سقوط الأبراج و نتحدث عن النكت ذات الطابع النبؤي،فهناك نكتة أخرى شهيرة تروى عن رئيس عربي قبل قصة سقوط الأبراج،و مفادها أن هذا الرئيس سأل نائبه:

-ما الحل كي نتخلص من فقرنا و تخلفنا؟

فأجابه النائب :

-لقد فكرت بالأمر مليا.و الحل الوحيد المتاح هو أن نترك أمريكا تحتل بلدنا عندها تتكفل بحل مشاكلنا.

سأله الرئيس :

-و كيف نحرضها على احتلالنا؟ليس من المنطقي أن نقدم لها طلبا نقول فيه نرجوك تعالي استعمري بلدنا. سيشكون بالأمر و يكتشفون الخدعة و بالتالي سيحجمون عن احتلالنا.

أجابه النائب :

و هذه أيضاً فكرت بها. نحن نملك طائرتين قديمتين في سلاحنا الجوي. و أقترح أن نعلن الحرب على أمريكا و نقصفها بهاتين الطائرتين. عندها سترد بإعلان الحرب علينا فتحتلنا،وهكذا يبدو الأمر منطقياً.

صمت الرئيس و بان عليه التفكر العميق،ثم سأل :

لكن ما العمل إذا هزمنا أمريكا بهاتين الطائرتين؟

إن هذا الرئيس أذكى من جميع من يتعاملون مع أمريكا لأنه فكر بهذا الاحتمال،الذي صار احتمالاً واقعياً بعد العراق و كاترينا . بل هو الاحتمال المنطقي الوحيد. وليت الزعيم الصيني ماو قد عاش إلى هذه الأيام، لأنه قال في الستينات من القرن العشرين إن الإمبريالية نمر من ورق،قالوا إنه يبالغ.لكن بعد أن سقط النمر في مستنقع العراق و بللته أمطار كاترينا تأكد الجميع أنه من ورق.

الولايات المتحدة عملاق مصاب بهشاشية في العظام،بقلة الكلس في العظام ، و بالتالي فإن ساقيه تترنحان تحت ثقله و لا يحتاج الأمر إلا إلى مزيد من الضرب على السيقان كي يصبح هذا العملاق عملاقا كسيحاً .

مصادر
مرآة سوريا (سوريا)