كلما ازدادت حدة الحرب على "الإرهاب" تذكرت شعراء الصعاليك في الجاهلية، وعلى الأخص .. "تأبط شرا" .. ليس لن سيرة هذا الشاعر، سواء كان شخصا حقيقيا او افتراضيا، تحمل نميزا، بل لأن اسمه ربما يلخص حالة نعيشها رغم انوفنا.
"تأبط شرا" هو الرمز المعنوي لوضع ثقافي حاد بدأ يفصل "الغرب" عن "الشرق" .. و "تأبط شرا" عنوانا لمراحل ما بعد الخرب الباردة حيث الاستباحة من الجانبين توحي على أن الشر هو الذي يخرج من أعماق حضارة هي نتاج عصر النهضة، وهو ينبع أيضا من داخل من يحملون رسالة سماوية لا يمكنها أن تكون بذاتها شرا.

المحصلة أن الثقافة الاجتماعية اليوم تملك إحساسا بأنها مهددة بهويتها، فتنتج ألوانا من التطرف، يبدأ برفض الآخر وربما ينتهي بنماذج لتفجيرات تطال أبناء الثقافة قبل غيرها. والمحصلة ايضا هي تكتل الاخر وشعوره بأنه مهدد أيضا بثقافته، فـ"يتأبط شرا" وينسى كل ما أنتجته حضارته من قوانين تؤمن بحقوق الإنسان بغض النظر عن الحالات الطارئة التي تصيب مسار الحياة.

ما الذي يمكن أن يحدث بعد هذا الافتراق .. وهل بالإمكان ان يصبح طريق الدم بين الطرفين حالة عادية ..

"الآخر" اليوم لم يعد يملك صورة واضحة عن الإرهاب بعد ان اختلطت المفاهيم والأفعال، بينما تمترست ثقافتنا عند حدود القرن الرابع الهجري، كمرحلة يعتقد البعض انها تعبر عن الهوية .. وإذا كان "الآخر" شأنا لا نستطيع التأثير به وفق الظرف الحالي، فإن ثقافتنا الاجتماعية مهددة بالفعل، ولكن ليس بالمفهوم السائد حاليا، بل بمعنى آخر .. لأننا كلما حاولنا أن نقطع عملية التفاعل الثقافي كلما أصبح "المتأبطون شرا" منتشرون سواء داخلنا او داخل الآخر.
"الثقافة التفاعلية" تعني أننا مأزومون ثقافيا وعلينا إعادة الحياة لأطراف هذه الثقافة .. والثقافة التفاعلية تعني أيضا أن الصرامة العقلية لا تفيد مع احتدام التطرف، ومع وصول الأزمة إلى حدود من التناقض تفترض إلغاء احد الطرفين.

ليكن الزمن القادم "تطرفا" أو "حالة فوضى" لكننا مصرون على البقاء في الثقافة التفاعلية لأنها الخلاص الاجتماعي.