تعرض الرئيس الاميركي جورج بوش هذه السنة لنكسات عدة داخلية وخارجية جعلت شعبيته تنخفض على نحو ملحوظ استنادا الى استطلاعات الرأي الدورية التي تجريها مؤسسات متخصصة في واشنطن وخارجها. فعلى الصعيد الخارجي بدأ الرأي العام وقادته من سياسيين واعلاميين ينتقدون بشدة سياسته العراقية ويأخذون عليه عدم صحة الاسباب التي اعتمد عليها للتدخل عسكريا في العراق وربما عدم صدقه. وبدأوا يطالبون بعودة الجنود الاميركيين الى بلادهم (اولادنا) وخصوصا بعدما صار سقوط عدد منهم قتلى وجرحى امراً يومياً. وعلى الصعيد الداخلي عاد الرأي العام الاميركي نفسه وقادته الى انتقاد السياسة الاقتصادية التي ينتهج وبدأ يطالبه بوضع سياسة جديدة للطاقة تحول دون تحوّل الولايات المتحدة رهينة للدول النفطية وتحديدا التطورات السلبية التي تحصل في عدد منها والتي قد تتزايد مع الوقت الامر الذي ينعكس عليه ارتفاعا غير مقبول أو لا قدرة للناس على احتماله في اسعار المحروقات. وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي في آن واحد بدأ الرأي العام اياه يناقش قيادة الرئيس بوش او بالاحرى زعامته وتاليا قدرته على مواجهة العقبات الكثيرة التي تعترض بلاده والمشكلات المعقدة المتنوعة الحديثة منها والمزمنة.

هل يستطيع الرئيس الاميركي مواجهة "العاصفة" التي يواجهها حاليا داخل اميركا؟

نعم يستطيع، يجيب متابعون اميركيون لوضعه من العاصمة واشنطن، الا ان ذلك يتوقف في رأيهم على امرين مهمين. الاول، القرار الذي سيتخذه الرئيس بوش او الذي يمكن ان يتخذه. وهو في الحال الراهنة امام قرار من اثنين لا ثالث لهما. اما متابعة سياسته الحالية الداخلية والخارجية بل الكونية على تعثرها طبعا بعد اجراء تصحيحات معينة لها لتلافي المزيد من الخيبات والخسارة باعتبار انها لم تنجح نهائيا بعد او كليا في تحقيق الاهداف المتوخاة منها الا انها لم تفشل في الوقت نفسه. واي تراجع عنها في هذه المرحلة الصعبة سيكون فشلا في ذاته لبوش وبلاده. ومتابعة هذه السياسة امر ممكن من دون مضاعفات داخلية وتحديدا شعبية ذلك انه في ولايته الثانية والاخيرة الامر الذي يجعله غير مضطر للإحتكام الى الشعب رسميا او في حاجة الى تفويض جديد منه للاستمرار. واما العودة عن السياسة المنتهجة حاليا وخصوصا الخارجية منها بما في ذلك توقف التورط في العراق ووقف النزف العسكري الاميركي في العراق والنزف المالي للخزينة الاميركية الذي يتسبب به. والعودة بدورها محفوفة باخطار كثيرة اذ ربما تفسرها الشعوب المستهدفة بها خسارة او فشلا الامر الذي لا بد ان يزيد المصاعب الاميركية في العالم ولاسيما في الشرق الاوسط الملتهب قلبه حاليا والمرشحة اجزاء اخرى منه للالتهاب. أما الامر المهم الثاني الذي يتوقف عليه خروج الرئيس بوش من "العاصفة" المشار اليها اعلاه او عدم خروجه منها فهو موقف الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه من سياسته بشقيها الداخلي والخارجي وتحديدا من التخلي عنها او تعديلها جذريا او من التمسك بها ومتابعة تنفيذها. وهذا الحزب يجد نفسه حاليا، امام خيارين في كل ما يتعلق بالموضوع المطروح. الاول، الاستمرار في دعم بوش رغم الانتقادات السياسية والشعبية المتصاعدة له ولسياساته. والثاني، الابتعاد عنه بعض الشيء او بالاحرى وضع مسافة بينهما وتاليا تمييز نفسه عن بوش وسياساته اي اظهار عدم حماسة لهما امام الرأي العام. طبعا لم يقرر الحزب الجمهوري الاميركي حتى الآن في رأي المتابعين الاميركيين انفسهم اي من الخيارين المذكورين يعتمد. لكنه سيفشي ذلك قريبا اي عندما تبدأ الحملات لانتخابات الكونغرس. ويعني ذلك ان بوش معه نحو ستة اشهر لتقرير ما يريد ان يفعله على صعيد سياساته في الداخل والخارج، الا ان الحزب الجمهوري لا يستطيع الا ان يكون قرر قبل اقدامه على اي من الخيارين المذكورين. فاذا قرر التخلي عن الرئيس بوش او الابتعاد عنه بعض الشيء الآن وهو لم يكمل بعد السنة الاولى من ولايته الرئاسية الثانية سيعرض نفسه للوم الاميركيين وتحديدا الجمهوريين منهم لانه بموقفه هذا يكون عطل رئيس الدولة من الآن وتاليا عطّل الدولة ذات النظام الرئاسي المباشر مدة ثلاث سنوات. وهذا امر مقلق وذو انعكاسات سلبية على اميركا كونها الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم وكونها تتحمل مسؤوليات "كونية" هائلة تبعا لذلك. اما اذا انتظر الحزب كثيرا قبل تقرير الابتعاد عن الرئيس وفي ظل استمرار الانعكاسات السلبية لسياساته اي اذا تأخر في ذلك فانه سيعرض نفسه لخسارة كبيرة في الانتخابات التشريعية المقبلة. ولا بد ان ينعكس ذلك سلبا بعد ثلاث سنوات على الحظوظ الجمهورية في الانتخابات الرئاسية مما يعطي فرصة حقيقية للحزب الديموقراطي كي يعود الى البيت الابيض وربما بشخص سيناتور (ة) نيويورك هيلاري كلينتون.

ماذا يعني ذلك؟

يعني ان الاشهر الستة المقبلة يمكن ان تكون مؤذية كثيرا لبوش الذي عليه وحده ان يقرر ماذا يفعل بسياساته. علما ان في اوساط الرأي العام الاميركي من لا يعارض مغامرات عسكرية اميركية اخرى في الشرق الاوسط ضد جهات يعتبرها مسؤولة مباشرة ومداورة عن الضحايا الاميركية التي تسقط فيها وتاليا تستحق العقاب.

مصادر
النهار (لبنان)