السؤال الذي يثير بصورة خاصة اهتمام المرشحين المحتملين للرئاسة الاولى، فضلا عن اهتمام الاوساط الرسمية والشعبية بصورة عامة هو: هل تفتح نتائج تقرير ميليس باب الانتخابات الرئاسية اذا كانت هذه النتائج تلزم الرئيس لحود الاستقالة لانها تحمله مسؤولية معنوية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه؟

المقربون من الرئيس لحود يؤكدون ان لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد في هذه الجريمة وان من يتهمهم تقرير ميليس مباشرة وصراحة هم الذي يتحملون وحدهم عواقب فعلتهم، وهو لا يعتبر نفسه مسؤولا لا سياسيا ولا معنويا عن اعمال قد يكون ارتكبها اي مسؤول امني او سياسي حتى وإن كان من فريق عمله او من القريبين منه.

ويضيف هؤلاء ان هناك من يرى رأي الرئيس لحود ويدعم استمرار بقائه في سدة الرئاسة حتى نهاية ولايته ومنهم "حزب الله" حتى وان كان في دعمه هذا يهمه ان يكون له رأي في المرشحين المحتملين للرئاسة الاولى، فلا يتم اختيار اي من هؤلاء المرشحين بمعزل عنه، وقبل ان يحصل من المرشح الذي يقع عليه الاختيار التطمينات الكافية بالنسبة الى تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 وان يصير الاتفاق معه مسبقا على طريقة تنفيذه، لان الحزب غير مستعد لان يتخلى عن سلاحه قبل ان تزول مبررات حمله وتنتفي اسباب اللجوء للمقاومة. وما لم يحصل "حزب الله" على هذه الضمانات وعلى ما يطمئنه بالنسبة الى سلاحه، فانه سيظل متمسكا ببقاء الرئيس لحود في سدة الرئاسة حتى نهاية ولايته، وسيعارض كل محاولة لانهاء هذه الولاية تحت اي ضغط داخلي او خارجي او تحت تأثير مضمون تقرير ميليس.

كما يعتمد الرئيس لحود في استمرار بقائه على العماد ميشال عون، الذي لا يرى مبررا لمطالبة لحود بالاستقالة قبل نهاية ولايته ما لم يتم التوصل مسبقا الى اتفاق على خلف له يحظى بتأييد شعبي قبل التأييد النيابي ويكون بكفايته وخبرته على مستوى المرحلة الدقيقة وما تنطوي عليه من تحديات.

وفي معلومات نواب في كتلة "الاصلاح التغيير" ان العماد عون مرشح للرئاسة الاولى، فاذا حظي بالتأييد النيابي المطلوب، فان الرئيس لحود مستعد عندئذ للتخلي له عن منصبه قبل نهاية ولايته وإلا فانه غير مستعد للتخلي عنه لأي مرشح آخر، وهو يعتبر ان له حق "الفيتو" على اي مرشح اذ لا يعقل، حسب رأيه، ان يستقيل قبل نهاية ولايته وان ينتخب من لا يرضى به خلفا له.

لكن اوساطاً سياسية وديبلوماسية ترى ان الوضع الراهن في البلاد لا يجوز ان يستمر، لانه وضع غير صالح لمواكبة الاصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة، وغير قادر على النهوض بالبلاد في شتى المجالات في ظل سلطة لا انسجام بين اهلها ولا تعاون، بل تجاذبات دائمة لا تنتهي الا بتسويات ولو على حساب اصحاب الكفايات والمصلحة العامة، وانه لا بد من قيام حكم جديد بفريق عمل واحد ومتعاون ومتجانس ومنسجم في كل المؤسسات وداخل كل السلطات، خصوصا ان ولاية الرئيس لحود لا تنتهي الا بعد سنتين، وهي مدة لا تقوى البلاد على تحملها وسط الخلافات والتجاذبات الدائمة بين اهل السلطة بحيث تؤدي الى احداث شلل وجمود في وقت اشد ما تكون فيه البلاد بحاجة الى العمل والانتاج والتحديث.

لذلك ترى الاوساط نفسها انه يمكن خلال الاتصالات والمساعي من المراجع المؤثرة، التوصل الى اتفاق على مرشح تزكية تتوافق عليه كل القوى الاساسية والفاعلة في البلاد، ولا يشكل اختياره تحديا او استفزازا لاحد بحيث يتخلى الرئيس لحود طوعا عن منصبه لخلف مقبول منه، ويتخلى العماد عون من جهته عن الترشح للرئاسة لمصلحة المرشح المقبول منه ايضا تحقيقا للتزكية، وان اطمئنان "حزب الله" الى المرشح الذي يقع عليه الاختيار يجعله ينضم الى القوى المؤيدة لهذا المرشح.

اما القوى السياسية الاخرى الفاعلة مثل كتلة "تيار المستقبل" و"اللقاء الديموقراطي" فيهمها التخلص من الرئيس لحود في اقرب وقت، اكثر مما يهمها من سيأتي خلفا له، لان اي رئيس يظل في نظرها افضل من بقاء لحود حتى نهاية ولايته، خصوصا انها تستطيع من خلال تحالف الاكثرية التي تشكل نواته الصلبة ان يكون لها دورها الفاعل في تشكيل الحكومات وفي ان يكون لها الاكثرية الوزارية فيها لضمان حسن سير العمل بدون عوائق.

اما اذا تعذر التوصل الى توافق على مرشح تزكية ترضى عنه الاحزاب والكتل والقوى السياسية الاساسية، وفرضت تداعيات تقرير ميليس انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فان اوساطا ديبلوماسية ترى ان تبادر كل كتلة او حزب الى تسمية المرشح، وان يترك للاكثرية النيابية اختيار من تراه الافضل والاصلح، كي يعود مجلس النواب الى ممارسة اللعبة الديموقراطية الحرة التي افتقدها على مدى ثلاثين سنة، بحيث ينتخب بهذه الطريقة الرئيس الذي لا يأتي بشروط هذا الحزب او هذه الكتلة، ولا يخضع اي مرشح لـ"فيتو" من هنا او من هناك، حتى ولو كان يتحلى بكل الصفات والمواصفات التي تؤهله للرئاسة، لكنه لا يحظى برضى هذه الجهة او تلك.

ومن الافضل اعتماد الطريقة الديموقراطية في انتخاب رئيس الجمهورية من بين المرشحين، مهما بلغ عددهم، ما دام مجلس النواب هو المكان الطبيعي للغربلة من خلال التصويت، وما دام من الصعب في ظل تعدد الاحزاب والكتل والاتجاهات التوصل الى اتفاق على مرشح واحد حتى داخل الطائفة الواحدة.

ويبقى السؤال المطروح: هل يفتح تقرير ميليس باب الانتخابات الرئاسية وكيف؟

مصادر
النهار (لبنان)