لم يمض اسبوع على "انتحار" وزير الداخلية السوري غازي كنعان حتى انطلقت تسريبات جديدة من تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وهو التقرير المزمع تسليمه إلى الأمم المتحدة يوم الجمعة القادم. وتدور التسريبات الجديدة حول شخصية رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الأسد والذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه الرجل القوي الثاني في سوريا بعد الأسد.

وكانت مجلة "شتيرن" الألمانية ذكرت الثلاثاء ان محققا تابعا للامم المتحدة اشار الي صهر الرئيس السوري بشار الاسد باعتباره مشتبها به في واقعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. واشارت مجلة شتيرن الي رئيس المخابرات العسكرية السورية آصف شوكت باعتباره مشتبها به في التحقيق الذي يقوده كبير محققي الامم المتحدة الالماني ديتليف ميليس.

واللافت أن المجلة الألمانية ذكرت نقلا عن مصادرها أن التحقيق مع آصف شوكت جرى باعتباره "مشتبها به"، علما أن ديتليف ميليس كان قد أعلن قبل توجهه إلى دمشق أنه "لا يوجد سوري مشتبه به حتى الآن".

شخصية آصف شوكت

إلا أن مراقبين للشأن السوري حذروا من التعاطي بجدية مع هذه المعلومات رغم أنهم لم يستغربوا أبدا أن ينطوي تقرير ميليس على اتهامات لشخصيات سورية بارزة عديدة، وتحذير المراقبين السوريين يقوم على مجموعة من النقاط التي سردها بعضهم لـ"العربية.نت" ، ومنها :

- يعتبر هؤلاء المراقبون أن اللواء شوكت محسوب على التيار الإصلاحي في النظام السوري، فهو من جهة لا تسجل له منظمات حقوق الإنسان أي انتهاكات في هذا المجال، ومن جهة أخرى كان يحتل موقعا قياديا في الأجهزة الأمنية لا علاقة لها بالشؤون السياسية الداخلية والمعارضة ولا حتى الشؤون اللبنانية أو العراقية وهو فرع أمن القوات، قبل أن يأتي لرئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية هذا العام.

- لاحظ المراقبون أن الإعتقالات في صفوف المواطنين والتوقيفات بشكل عام انخفضت بنسبة كبيرة من قبل الاستخبارات العسكرية بعد تسلم اللواء شوكت لرئاسة هذه الإستخبارات، وهذا ما أرجعه المراقبون إلى كون شوكت خريجا لكلية الحقوق في جامعة دمشق، وله اهتمامات أكاديمية وحقوقية.

كما أوضحت تلك المصارد أن مرسوم تعيين اللواء شوكت رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية حصل بعد اغتيال الحريري بأيام بعد أن كان نائبا لرئيس هذه الشعبة اللواء حسن خليل الذي أحيل للتقاعد .

وذكرت تلك المصادر بتصريحات الرئيس بشار الأسد قال في لقاء مع قناة "سي إن إن " الأمريكية والتي أكد فيها أن كل شخص يثبت تورطه في اغتيال الحريري سيكون خائنا ويحاكم أمام القضاء المحلي الدولي- " والرئيس بشار الأسد لن يقول مثل هذا الكلام لو لم يكن على قناعة وعلم تام أن شوكت (صهره) لا علاقة له باغتيال الحريري "ا.

السؤال البارز الآن بعد تقرير المجلة الألمانية : لو جاء تقرير ميليس باتهامات لشوكت وغيره من الشخصيات السورية الكبيرة هل ستبادر سوريا إلى التطبيق العملي لما أعلنه الرئيس بشار الأسد في حواره مع "سي إن إن" ، أم أن سوريا سوف تعتبر التقرير "مسيّسا"؟ .

وهنا سوف يلاحظ مراقبو الشأن السوري أن النظام السوري سيكون في مرحلة تاريخية حساسة وخطيرة : إما القبول بمحاكمة هذه الشخصيات أو رفض ذلك وبالتالي الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة مع مجلس الأمن الدولي. ولكن، ومع كل هذه الإحتمالات المفتوحة، يجب دوما بنظر بعض الصحفيين أصحاب المراس والخبرة عدم أخذ أية تقارير صحفية الآن على محمل الجد، والتريث لمعرفة ما سيقوله المحقق ديتليف ميليس، خاصة ,ان المجلة الألمانية قالت أن شوكت تم التحقيق معه كـ"مشتبه به" بينما ذكر ميليس قبل توجهه إلى دمشق أنه " لايوجد سوري مشتبه به حتى الآن( أي تاريخ زيارته إلى دمشق)".

يذكر أن اللواء شوكت زار باريس منذ فترة قصيرة وذلك على خلفية تداعيات الحدث اللبناني وتقرير ميليس، ولم يعرف آنذاك إن كانت شوكت نقل إلى الرئاسة الفرنسية عرضا سوريا يجنب نظام بلاده أي أخطار خارجية، إلا أن الحكومة الفرنسية لم تعط تفصيلات واضحة حول تلك الزيارة، التي ربما كانت ميزتها اللافتة أنها "غير سرية" وعلمت بها الصحافة.

إعادة بناء النظام

في جانب آخر من هذا الملف، صدرت في وقت سابق تقارير صحفية نشرت على مواقع الكترونية عديدة تتوقع قيام بشار الأسد بانقلاب داخلي على رموز النظام وبطلب من الولايات المتحدة الأمريكية التي، وفق هذه التقارير، آثرت أن يقوم النظام السوري بإعادة إنتاج نفسه على أن تأتي قوى اسلامية معارضة للحكم أو حصول فوضى مشابهة للفوضى العراقية.

ويبدو بحسب مراقبي الشأن السوري والمؤيدين لوجهة النظر القائلة بإعادة إنتاج النظام أن إبعاد اللواء بهجت سليمان في المخابرات السورية كرئيس للفرع الداخلي في المخابرات العامة، ومن ثم "انتحار كنعان"، ما نشرته المجلة الألمانية حول شوكت، الحديث عن إمكانية ابتعاد فاروق الشرع عن الخارجية السورية وقدوم وليد المعلم؛ مجموعة من الأساسات الصلبة المقبولة غربيا والتي يمكن أن تقوم عليها عملية إعادة إنتاج النظام.

شوكت والنظام

وفي السابق، وقعت خلافات بين آصف شوكت وماهر الأسد شقيق زوجته بشرى بحسب ما نشرت الصحافة الأجنبية في ذلك الحين وبعض المواقع الإلكترونية، حيث كشف صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن شوكت، صهر الرئيس السوري حافظ الأسد، أصيب برصاصة واحدة على الأقل في البطن، أطلقها عليه ماهر الأسد أحد أبناء الرئيس السوري.
وأوضحت الصحيفة أن شوكت تلقى الإسعافات أولا في دمشق، إلا أن وضعه اعتبر خطيرا مما استوجب طلب المساعدة من فرنسا، حيث نقل إلى مستشفى "فال دو غراس" العسكري في باريس الذي استقبله في سرية تامة، وبعد بضعة أيام غادر شوكت المستشفى ليواصل النقاهة في سورية.

لكن هذه الرواية، قوبلت بنفي من مستشفى "فال دو غراس" الذي قال إنه أنه لم يستقبل أبدا آصف شوكت . وكانت صحيفة "ليبراسيون"، قالت إن "هذا الشجار يبرز الخلافات المحيطة بخلافة الأسد، لا سيما عقب الهجوم الذي نفذته القوات السورية على مرفأ غير شرعي يملكه شقيق الرئيس رفعت الأسد في اللاذقية على الساحل السوري".

يشار إلى أن شوكت من مواليد محافظة طرطوس الساحلية عام 1950، و درس القانون والتاريخ في جامعة دمشق ونال درجة الدكتوراه في التاريخ عام 1976 قبل أن يكون له أي منصب رسمي ، وتعرف هناك إلى بشرى الأسد ابنة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد واقترن بها بعد ذلك.

مصادر
العربية نت