من المبكر الحكم في ما اذا كان انتصار عمير بيرتس في التنافس على رئاسة حزب العمل هو انتصار للأيديولوجية وللقضايا الاجتماعية داخل الحزب. هكذا يبدو الأمر لأول وهلة. انتصار شاب بمواقف حمائمية في قضية السلام ومواقف اجتماعية تبدو متميزة بسبب من أصوله الشرقية وماضيه وحاضره الهستدروتي. وهو في الواقع ممثل لجان العمال الكبرى في الصناعة العسكرية والشركات الكبرى، وليس ممثل العمال والفئات المسحوقة، وليست لديه مواقف اجتماعية متميزة الا ما تمليه عليه طموحاته السياسية الوصولية. ومع ذلك قد يكون هنالك سبب للقلق عند حزب يسار صهيوني مثل “ميرتس”، لا ندري. من المبكر الحكم على هذه الأمور. أو حزب مثل “شاس” تتحمع لديه فئات من المسحوقين طبقيا تماما من اليهود الشرقيين. وقد ينجح في نقل بعض الأصوات من نفس الفئات من الليكود الى حزب العمل، فالصورة الإعلامية أقوى من الواقع.

ولكن ما هو مؤكد ان احتفال العرب، وخاصة الطرف الرسمي الفلسطيني بهذا التحول، وانتظارهم لنتائج مثل هذا الانتصار هو دليل أزمة عربية. فهو يعبر عن اضغاث أحلام كأن بيرتس سيربح التنافس الى رئاسة الحكومة، وكأنه إذا فاز فسوف يفعل ذلك مثل منقذ يفرض على المجتمع “الإسرائيلي” مواقف تناسب القيادة الفلسطينية المعتمدة تماما على حسن النية الأمريكية و”الاسرائيلية”.

من الأرجح أن انتصار عمير بيرتس رغم أنه قد يقدم موعد الانتخابات هو تعبير يكاد يكون تهريجيا عن أزمة الحزب. فحزب العمل غاطس حتى قمة رأسه في مشروع شارون ولم نسمع عن مبادرة سياسية، او مبادرة سلام خاصة ببيرتس تميزه عن شمعون بيريز. وهو يتميز عن بيريز بأنه يرفض بقاء حزب العمل كدائرة علاقات عامة عند شارون. و”حظ بيرتس” هو تعبير عن تعب قواعد الحزب من “حظ بيريز” ومن قدرهم معه. هذا بتعبير تصويري. والحقيقة أن غريزة حب البقاء لدى حزب العمل انتصرت على طموح ممثليه في حكومة شارون بالحفاظ على مواقعهم الوزارية لعام آخر. فلو بقي الحزب بقيادة شمعون بيريز في حكومة شارون حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2006 لن يبقى من الحزب شيء سوى شمعون بيريز كما يبدو. وانتخاب بيرتس هو محاولة يائسة لضخ دم جديد (استخدم هذا التعبير رغم نفوري منه) في حزب شاخ وكاد يتحول إلى دائرة علاقات عامة لشارون.

سوف يقدم انتخاب بيرتس موعد الانتخابات “الإسرائيلية”. ولكنه لا يشكل حاليا بديلا جديا لشارون.

فبرنامج الأخير بعدم التفاوض مع الفلسطينيين بعد فك الارتباط إلا بثمن الحرب الأهلية الفلسطينية هو موقف غالبية المجتمع “الإسرائيلي”. وزعيم حزب العمل الجديد سيحاول أن يضع أفكاره السياسية الحمائمية في الظل وخوض الانتخابات ببرنامج اجتماعي، وهذا لا يكفي من اجل اظهار جدية من يريد ادارة دولة ومجتمع ك”إسرائيل. وأفكاره السياسية هي نفس الأفكار التي خاض فيها عميرام متسناع رئيس الحزب إبان الانتخابات السابقة، والتي انتهت الى التهميش داخل حزب العمل نفسه. وهو يتميز عنه بالطبع بإضافة سياسات هوية ومحاولة جذب يهود شرقيين. لا ينتصر المجتمع “الإسرائيلي” للفلسطينيين في غياب استراتيجية فلسطينية تتجاوز الاعتماد على الدبلوماسية الأمريكية وعلى التحولات في السياسة “الإسرائيلية”، وليس حتى في السياسة “الإسرائيلية”، بل حتى بشكل قيادة ونمط قيادة حزب العمل.

بيرتس محظوظ بحظ بيريز، أما العرب فليس لهم حظ في هذا كله. والجواب عندهم وليس في “اسرائيل”.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)