الخبراء الغربيون يؤكدون أن مساحة التحرك السوري باتت محكومة بسعي الإدارة الأمريكية لاستكمال استراتيجيتها، وهذا الأمر يجعل احتمالات الضغوط على سورية مفتوحة أمام إجراءات ربما لا تدخل ضمن حسابات مجلس الأمن، وليس بالضرورة على سياق "النموذج العراقي". فالمسألة تدخل ضمن سياق من "الحرب" بأدوات مختلفة لا تحتاج إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة. ووفق هذا التصور فإن الأمر يصبح مرهونا بممكنات كثيرة مارستها الإدارة الأمريكية سابقا في العديد من الدول العالم، وماتزال تتعامل معها على الأخص في أمريكا اللاتينية.

هذا التصور لطبيعة التعامل مع سورية يضع مسألة "المواجهة" خارج الحسابات المعروضة اليوم داخل الجدل السياسي بين "المعارضة" و "السلطة"، أو حتى في أشكال "الرفض المدني الذي يبدو اليوم ظاهرا في شوارع دمشق لأساليب الضغط الأمريكي. ورغم أن شروط "ميلس" توضح تماما أن التحقيق هو مسار حرج لا يمكن خلق توافقات نهائية حوله، وأن آلياته تخرق "السيادة السورية"، لكننا نستطيع النظر إلى هذا الموضوع أيضا ضمن آليات "الحرب" التي تعمد ليس إلا إحراج سورية أمام مجلس الأمن، بل أيضا إلى إيجاد اختراقات داخل البنية السياسية على هشاشتها، حيث بدأنا نسمع عبر الفضائيات أصواتا تصور الوضع السوري وكأنه "كارثة محتملة".
والمسألة ليست في تقدير الخطر، فالخطر قائم وأكبر مما يتوقعه البعض، لكن استعراضه بأشكال مختلفة ينعكس مباشرة على البنية السورية إجمالا مخلفا "ثقافة هلع" على كافة الصعد، وهو امر ليس بعيدا عن وضعية الحرب التي تريدها الولايات المتحدة.

وإذا كان من الخطأ تخفيف الخطر أو حتى عدم التطرق إليه، فإنه من الضروري أيضا التعامل مع "المواجهة" القائمة والمحتملة وفق فهم أساسي هي أن الدفاع اليوم عن المجتمع أولا وأخيرا، وتطوير بنيته بدلا من الدخول في متاهات الرد والسجال حول الأخطاء التي ارتكبت أو التي يمكن أن ترتكب. فإذا كنا لا نريد ارتكاب أخطاب فعلينا بالفعل أن نتعامل مع المشكلة من زاوية المواجهة، وليس عبر تحقيق المكاسب السريعة أو المحتملة نتيجة الضغوط على سورية.

ماذا يمكن أن يحدث في سورية؟ أمر متعلق بالسوريين أنفسهم، لأن الضغوط قائمة ولا علاقة لها فقط بالنظام السياسي، لأن علينا أن نضيف سببا آخر هو وضعية سورية "جيوستراتيجيا" بالنسبة للحرب على العراق أو لخارطة "الشرق الأوسط الكبير". فهذا الأمر يحدد اليوم رؤية الولايات المتحدة أكثر من مسألة النظام السياسي.