مازن بلال

لم يعد مطلوبا اليوم التأكيد على المطلب الديمقراطي .. سواء جاءت التأكيدات عبر المشاريع السياسية الأمريكية للمنطقة، أو من خلال التشكيلات الإقليمية المدنية او الرسمية .. فالسؤال حول الديمقراطية خرج عن نطاقه الأكاديمي الأساسي، وحتى عن السوية المعرفية بعد أن أصبح الخيار ضمن فئتين: الأول اللبرالية وفق المنطق الأمريكي، والثاني الجهاد وفق أسلوب السيارات المفخخة.

لا يمكن لأي عاقل مع بداية القرن الحادي والعشرين أن يقف ضد الديمقراطية، ولكنه في نفس الوقت يعجز عن التعبير حيال الثمن الديمقراطي كما نشهده في العراق، الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتقديمه نموذجا. فالمسألة هنا ليست خيارا، لأن الفكرة الأساسية للديمقراطية لا يمكن أن تتحقق في ظل الخوف. فالديمقراطية هي لتجنب الخوف وليس للوقوع ضحية النيران الطائشة أو السيارات المفخخة.

إن السؤال الأساسي هل بالفعل لا نملك أي خيار ديمقراطي؟ وهل الطرق المسدودة ستقود دولا أخرى للبحث عن البديل الديمقراطي على الطريقة والنموذج العراقي (حسب التعبير الأمريكي)؟ إن الأزمة اليوم لا تتشكل عبر التشكيك بنزاهة العملية الديمقراطية في العراق .. بل أيضا في الحالة الاجتماعية التي أفرزتها هذه الانتخابات المقدمة على النموذج الغربي، ونحن بالفعل لا نملك أي نموذج آخر سوى ما أنتجه عصر النهضة ... أما الحديث عن الشورى فهي الصورة التي نحاول فيها قسر التاريخ على مصطلحات حديثة.

النموذج الديمقراطي إذا استدعيناه اليوم على خلفية التجربة العراقية فإنه سيضعنا أمام مفارقتين:

  الأولى رغبة للمجتمع العراقي في الخروج من العنف الذي يستهدف الجميع.

  الثانية وضعية للتوزع السياسي أفرزت افتراقا طائفيا عبر اللوائح التي نقدم فرزا سكانيا لا ينسجم مع الديمقراطية كعملية حداثية وعلمانية.

وهنا لا نفترض أن النموذج الذي سيظهر طائفي بالضرورة، لكنه يوضح أن الديمقراطية التي هي سمة الدولة الحديثة، لم تتضح معالمها بشكل كامل ضمن مجتمع يملك إرادة ومصالح واحدة ... فجدل الانتخابات وحده يوضح جملة من التناقضات، واليوم فإن توزيع المقاعد السياسية يفرز حالة شبيهة.

الديمقراطية تحتاج اليوم لنوع من الإبداع حتى نخرجها من مأزق الخيارات .. وترتبط بتفكير حداثي حتى لا يصبح ثمنها أغلى من الأرواح والدم الذي يهدره أنصار الجهاد أو "طلائع الديمقراطية الأمريكية".