ما لا نريد قراءته اليوم من خطاب الإدارة الأمريكية هو الرابط الذي يدفعنا نحو الماضي. فهذا الخطاب القادر على رسم مخططات جديدة للكراهية ربما يتلاقى مع النزعة لإعادة رسم التاريخ، واستعادة صور لم تعد في الذاكرة. وبعد اعتراف بوش أن الحرب على العراق أعلنت بناء على معلومات مغلوطة، فإننا نحتاج بالفعل إلى رسم ملامح جديدة لما نريده وسط توقعات بمعلومات أخرى غير صحيحة.

فالغلطة في العراق ليست مسألة مرتبطة فقط بالإدارة الأمريكية، لأن التدمير الحاصل أعمق من أن يفسر بمنطق المؤامرات، أو زرع العملاء داخل المجتمع، أو حتى كتابة مستقبل البلد قسرا على أساس التشتيت العرقي أو الديني.

غلطة العراق "تراكمية" إن صح التعبير بعد أن انتصرت "ثقافة الحرب" داخل المجتمع. وما حدث منذ الاحتلال إلى اليوم هو تداخل ما بين الرغبة في الماضي وخطاب "الحرب الاستباقية" المعاصر، ثم تبقى الأزمة طالما لم نصطدم بالرغبة في الحياة القادمة.

ربما نحتاج اليوم إلى رؤية حول "صناعة" المستقبل ... هذه "الصناعة" التي تتجاوز حدود النهضة في كتاب رفاعة الطهطاوي (على جرأته) الإبريز في تلخيص باريز. أو حتى في مسألة إخراج أحكام شرعية للحداثة في كتاب علي عبد الرازق "أصول الحكم في الإسلام" ... لأن علينا اعتبار عصر النهضة "تراثا" وليس حالة خلافية نستمر بالجدل فيها.

المسألة اليوم هي في تجاوز "ثقافة الحرب" التي تشتعل عند أول بريق قادم من الغرب، أو حتى من الشرق، وتجاوز التجارب التي اعتبرناها محطات نهائية .... والتحرر من "الخبرات" التي أصبحت أسيرة عصر المدونات ... فصناعة المستقبل هي قدرتنا على الإيمان بأنفسنا وبطاقتنا على الإبداع.