النهار/ سركيس نعوم

يتعرض الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى منذ ايام لحملة مركزة من اوساط سياسية لبنانية عدة تتهمه بالقيام بمبادرة تتعلق بالوضع اللبناني وبالعلاقة بين سوريا ولبنان وبمضاعفات المواجهة القائمة بين سوريا والمجتمع الدولي على الاراضي اللبنانية. وتنطلق الاتهامات من امور عدة. اولها، ان المبادرة شخصية وان الهدف منها ليس عاما وليس المحافظة على امن لبنان وسوريا ومصالحهما. بل هو تهيئة الاجواء العربية لتجديد ولايته امينا عاما لهذه المنظمة الاقليمية وذلك في ضوء اقترابها من نهايتها. وفي اطار تهيئة الاجواء هذه كانت "الحركة العراقية" التي قام بها موسى قبل اسابيع قليلة في رأي الاوساط المتهمة اياها. وثانيها، ان المبادرة تغلب مصلحة سوريا على مصلحة لبنان ولاسيما في ظل التوتر القائم بينهما سواء على المستوى الرسمي او على المستوى السياسي او على المستوى الشعبي. فمن جهة هناك احاديث عن تسوية ما او "صفقة" تقوم على التغاضي عن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري او بالاحرى التساهل في هذا التحقيق في مقابل وقف مسلسل الاغتيالات الاجرامي والدامي المستمر في لبنان. وهناك احاديث من جهة اخرى عن اعتبار ان سوريا التي تتهم جهات لبنانية عدة بعض نظامها بالمسؤولية عن قتل الحريري قد دفعت المقابل الباهظ لدمه وهو انسحابها العسكري من لبنان في 26 نيسان الماضي. ولا يقلل من اهمية هذا الامر ونهائيته الوجود الامني والسياسي الذي لا يزال عندها فيه استنادا الى اقتناع جهات عدة داخلية وخارجية. وفي مقابل ذلك صار لا بد من حصول تسوية بين البلدين الشقيقين.

هل الاتهامات وباللهجة العنيفة التي صيغت بها في محلها؟

المعلومات الواردة من العواصم العربية الكبرى على عدد من الجهات اللبنانية تشير الى شيء من التفهم عند اصحاب القرار في هذه العواصم للهواجس والمخاوف التي يعبر عنها قادة وزعماء لبنانيون حيال تحرك الامين العام عمرو موسى، وتعتبر ان احد ابرز اسبابها هو استمرار مسلسل الاغتيالات الذي بدأ يقترب من هؤلاء. لكنها في الوقت نفسه تفيد ان تحرك موسى لا ينبع من قرار ذاتي او شخصي وانما هو نتيجة تشاور عميق وواسع بينه وبين القادة العرب الكبار وفي مقدمهم الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك. والهدف الاساسي منه هو تهدئة الوضع في لبنان ومنع انزلاقه نحو الفوضى وحتى نحو الفتنة الداخلية او الحروب وتطبيع العلاقة بينه وبين سوريا وان في الحد الادنى لان الهدف يجب ان يكون "اكل العنب لا قتل الناطور" كما يقول المثل اللبناني. وهذا يعني ان استمرار الوضع الراهن بل تفاقمه لا بد ان يؤدي مستقبلا الى اصابة لبنان بالخسارة وان خسرت سوريا معه. فضلا عن ان خسارة لبنان قد تكون اكبر واقسى وربما بما لا يقاس. والهدف الاساسي الآخر منه هو تهيئة لبنان للافادة من "الطفرة النفطية" اذا جازت تسميتها على هذا النحو. ذلك ان عرب النفط جميعهم يحبون لبنان ولا يرون غيره مكانا لاستثمار اموال الطفرة المذكورة ويعتبرون انه يملك القدرات والامكانات البنيوية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية كي يكون "هونغ كونغ" ليس فقط بالنسبة الى سوريا بل بالنسبة الى الدول العربية كلها. علما ان مصطلح "هونغ كونغ" هذا لا يعني تعريض لبنان لما تعرضت له "هونغ كونغ" قبل سنوات وخصوصا من الناحية السياسية والوطنية. الى ذلك، لا بد من اخذ الواقع الدولي في الاعتبار. اذ ماذا يضمن عدم تغير الظروف الدولية والعربية وخصوصا في ظل الانقسامات الحادة داخل لبنان.

ما هي عناصر تحرك الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى؟

عناصرها كثيرة استنادا الى المعلومات نفسها الواردة من العواصم العربية. منها ان يحظى تحرك موسى اولا بقبول او ربما بتفويض من الدولتين العربيتين المعنيتين مباشرة بالمواجهة القائمة اي لبنان وسوريا. ومنها ايضا ان يحظى تحركه بتفويض من جامعة الدول العربية. ويفترض ان يحصل ذلك اليوم او في الايام القليلة الاخيرة من السنة الجارية في اجتماع مرتقب لمجلس الجامعة. ومنها ثالثا عدم شمول تحرك موسى التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري والجاري حاليا والمستمر على الاقل ستة اشهر اخرى. ويعني ذلك ترك لجنة التحقيق الدولية تقوم بعملها وحض سوريا على متابعة التعاون معها لكشف الحقيقة او بالاحرى على توسيع هذا التعاون الذي كان جزئيا في المرحلة السابقة استنادا الى تقرير اللجنة المذكورة والى قرار مجلس الامن اللاحق له 1644. ومنها ثالثا ان يؤدي نجاح التحرك بعد حصوله على التفويض المتنوع اللازم الى تطبيع للعلاقة بين لبنان وسوريا على نحو يثبت استقلال لبنان وسيادته والاعتراف العملي وليس النظري لسوريا بهذا الاستقلال. ويكون ذلك بالبحث في اقامة علاقات ديبلوماسية بين الدولتين بل باقامتها وبالموافقة على ترسيم الحدود بينهما ومباشرة تنفيذه. وفي هذا المجال تشير المعلومات نفسها الى ان الدول ولا سيما العربية الكبرى تقف مع لبنان في كل ما يثبته وطنا وكيانا ودولة مستقلة ذات نظام ديموقراطي. لكنها في الوقت نفسه تسعى لابعاد كأس الفوضى عن سوريا رغم انزعاجها من سياسات كثيرة لها في لبنان وخارجه. وهي تعرف حاليا ان الهم الاساسي بل الاول لقيادتها العليا هو استمرار النظام وليس اي هم آخر بما في ذلك استعادة وضعها اللبناني السابق. وليست هناك مشكلة في ذلك رغم الانهاك الذي تعرض له. طبعا تعرف العواصم نفسها ايضا ان جزءا من مشكلة لبنان مع سوريا هو الحلف المتين القائم بين الاخيرة وبين احزاب لبنانية عدة. ذلك ان جهات لبنانية عدة تخشى الافادة من هذه الاحزاب لاعادة تأسيس وضع لبناني غير استقلالي على المدى المتوسط وربما البعيد. لكن هذه المشكلة تعالج لبنانيا وبعد استكمال الاجراءات الرسمية التي تكرس استقلالية كل من الدولتين عن الاخرى مع استمرار تعاونهما وعلاقتهما المميزة ومعالجتها تحتاج الى وقت طويل يقاس بالسنوات. لكن نجاحها ممكن لان اهم حليف او صديق لسوريا في لبنان يؤكد وبصدق لبنانيته. ويؤكد ايضا لكل المتصلين به من عرب واجانب انه لن يوجه سلاحه الى الداخل اللبناني وانه لن يستعمله ضد لبنانيين وان وقعت حرب لبنانية – سورية لا سمح الله. ويؤكد اخيرا انه حاضر للمساعدة في حل المشكلات والعقد مع سوريا لدى توافر الاستعداد اللازم لذلك عند الفريقين.

هل حصل الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على التفويض اللازم من لبنان وسوريا كي يتحرك باعتبار ان غياب هذا التفويض ربما يجعل التفويض العربي المطلوب غير ذي جدوى؟

لا بد من انتظار اجتماع مجلس الجامعة لمعرفة ذلك، رغم الايجابيات الرسمية والعلنية التي صدرت عن العاصمتين الشقيقتين بيروت ودمشق. الا ان السؤال المهم الذي يُطرح هو: هل ان المجتمع الدولي بزعامة اميركا والذي تخوض سوريا معه المواجهة الاساسية والذي يُعتبر لبنان الساحة الاولى لها راغب اولا في تحرك موسى وثانيا في نجاحه وثالثا في تسوية مع سوريا بشار الاسد وباي شروط؟