ساطع نور الدين/السفير

صار للعرب برلمانهم الواحد.

هي خطوة صغيرة إلى الامام نحو تحقيق الحلم العربي الكبير، أو على الأقل نحو اكتشاف الوهم العربي الاكبر، الذي طالما راود العرب منذ ان نالت دولهم الاستقلال، ومنذ ان كانت الجامعة العربية مؤسسة تختزل افكارهم وطموحاتهم المتنوعة، وتختصر مواقفهم في قرارات لم تجد يوما طريقها الى التنفيذ.

الاسم غير دقيق، بل هو يثير السخرية: برلمان عربي غير منتخب، يشكل محصلة لبرلمانات غير موجودة في معظم البلدان العربية التي لم تكتشف حتى الآن فكرة الدولة العصرية الحديثة، وما زالت تعيش في حقبات سابقة لذلك الاكتشاف، ولا تحفظ ذاكرتها سوى تجربة الدولة العباسية باعتبارها آخر التجارب الوحدوية العربية.

لكنه مجرد مكان جديد للقاء بين العرب، يستجيب لرغبة الجامعة في أن تصلح نفسها وتطور مؤسساتها وآليات عملها، أكثر مما يستجيب لحاجة شعبية في ان يكون هناك برلمان عربي موحد، يناقش ويراقب ويحاسب، قبل ان ينتقل إلى المهمة الابرز وهي التشريع الذي يطبق في بغداد ومقديشو ونواكشوط.. ولو بالحدود الدنيا التي لا تمس السيادة الوطنية لاي بلد عربي.

كما أنه مكان جديد للاختلاف بين العرب، الذين لم يعد من السهل العثور على قواسم مشتركة في ما بينهم، او حتى على رؤية موحدة للجامعة ودورها في تنظيم العمل العربي المشترك، والذين يتوزعون على بلدان خاضعة للاحتلال أو مهددة بالتقسيم او ليس لها حدود نهائية مرسومة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي.

ولن يكون من الصعب التكهن في الخلافات والصراعات التي ستشهدها أروقة البرلمان بين <<النواب العرب المعينين>> عندما تنتهي الخطابات وتبدأ النقاشات اذا بدأت حول القضايا العربية التي تتخذ في بعض انحاء العالم العربي هذه الايام شكل العملية التأسيسية للدولة والمجتمع من نقطة الصفر.. او ربما من النقطة التي توقفت عندها في نهاية مرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي الماضية.

ولن يكون من السهل الافتراض ان البرلمان العربي الجديد يمكن ان يتحول على الاقل الى هيئة وسيطة تنسق بين مؤسسة القمة العربية وبين المجالس الوزارية العربية التي لم يصمد منها سوى مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي اكتسب شرعية جديدة في ظل الحرب على الارهاب، وحصل مؤخرا على تفويض مزدوج بعدما صار الإرهابيون هم المعارضين الوحيدين لانظمة الامن العربية...

لا يخفف من الهزء بقيام البرلمان العربي الموحد سوى البند التالي على جدول الاعمال العربي: تشكيل محكمة عربية تفض النزاعات وتحكم بالعدل وتؤسس لنظام قضائي يعبر الحدود العربية، ويخرق التقاليد التي طالما كانت اقوى من النصوص القانونية وأكثر مهابة من قاعات المحاكم.

لكنها خطوة على الطريق الطويل، إن لم تنجح في اختراع حياة برلمانية عربية، فإنها يمكن أن تحفظ حق العرب في ان يكون لهم مبنى اسمه برلمان!