جورج حداد/الدستور

مشكلتنا بل .. مأساتنا الكبرى، اننا لم نع بعد خطورة وابعاد الجريمة التي نرتكبها، حينما ننظر الى المسألة الفلسطينية على انها ... مسألة سياسية. وليست .. قضية عقائدية .. مبدئية!!.

نقول هذا ... بعد ملاحظة ان السمة الطاغية التي اتسمت بها ردود الافعال العربية والدولية على غياب شارون عن المسرح السياسي الاسرائيلي، انحصرت بالجوانب السياسية دون غيرها من الجوانب الاكثر اهمية وخطورة وجذرية!.

ردود الافعال اقتصرت في احاديثها على اثر وتأثير غياب شارون على الخريطة السياسية والحزبية في اسرائيل وتداعيات هذا الغياب على ما صار يسمى »عملية السلام« مع الفلسطينيين!!. بل ان رئيس دائرة شؤون المفاوضات في السلطة الفلسطينية الدكتور صائب عريقات بلغ به الانجراف باوهام الخديعة السائدة درجة القول »بان ما يحدث في اسرائيل الان يقلب الامور رأسا على عقب«!!. فهل صحيح ان من شأن غياب شارون ان يجعل من اسرائيل عهنا منقوشا »مقلوبة الامور رأسا على عقب؟«!!.

صحيح .. ان شارون يعتبر واحدا من عتاة مجرمي الحرب في العصر الحديث، وانه ... شبّ وشاب وانتهى على صوت شخب الدم النازف من نساء واطفال وشيوخ الفلسطينيين والعرب، وانه .. يهودي صهيوني مندفع حاقد اوصله حقده التلمودي التوراتي على اصحاب الارض وسكانها الشرعيين الى .. رئاسة وزراء ورئاسة احزاب ولكنه ... لم يكن في كل ما قام به،رغم فظاعاته، اشد اثرا واكبر تأثير او فعالية من كثيرين غيره من دهاقنة الصهيونية العالمية وبناة اسرائيلها التي قامت وتقوم على مبادئ الاغتصاب والارهاب، امثال.. بنغوريون وحاييم وايزمن وموشه شاريث وموشي ديان ويجئال الون وغاليلي ورابين وجابوتنسكي وتلاميذه بيغن وشيترن وشامير، فضلا عن شمعون بيرس وباراك وجولدا مائير وناحوم غولدمان وسوى هؤلاء من رموز الصهيونية في الخارج الذي يعتبرونه »منفى« مثل هنري كيسنجر واولبرايت وسام كوهن وجاك سترو وبيرك وولفوتيز وليبي واندك وروس!!.

مات قسم كبير من هؤلاء، ومع ذلك... فان امور اسرائيل لم تنقلب »رأسا على عقب«!!.

وصحيح ايضا ان شارون وعد شعبه بتحقيق الامن له، و...السلام مع الفلسطينيين، ولكن ... ما هي مقومات الامن الاسرائيلي، وما هي الاسس التي سيبنى عليها السلام مع الفلسطينيين، بنظر صاحب الوعد الذي وصفه، حينه بالارهاب والاجرام الرئيس الاميركي بقوله انه»رجل شجاع ورجل سلام وحريص على امن شعبه«!!.

ابمشاريع شارون ومخططه في اعادة انتشار قواته الغازية المحتلة في غزة تحت عنوان »الانسحاب« يتحقق امن أو سلام؟!!

أبغارات طائراته واجتياحاته اليومية للمدن والمواقع الفلسطينية بقصد الاغتيال وهدم البيوت وتجريف الحقول، يعمّ الأمن ويستتبّ السلام؟!!

وهل تجزئة الضفة الغربية ومصادرة أكثر من نصف أراضيها واقامة الجدار الهادف الى خنق الحياة الفلسطينية، والتوسع الاستيطاني الهستيري، هي السُبل الصادقة المفضية الى الأمن والسلام؟!!!

ان ما جرى ويجري، حتى اليوم، في فلسطين، منذ ما قبل نشوء الدولة الاسرائيلية، لم يكن.. وليس سياسات أفراد بل.. استراتيجية دولة، وفي هذه الدولة، ايختلف الأفراد والقادة والأحزاب، ويتباين الاجتهاد، ولكن هذا الاختلاف والتباين يظلان محصورين بالوسائل والأساليب وليس أبداً في الأسس والأهداف اليهودية!!.

اليهودية... تعاليم وأرض. والحاخامون.. منذ القدم وحتى اليوم يعلّمون أجيالهم بأن... »... الشعب اليهودي لا يحقق ذاته بالكامل إلاّ في الاتحاد الاقنومي مع الأرض«!!.

ولا حاجة للتذكير بأن الأرض هنا، هي »الأرض الموعودة« التي تشمل، من جملة ما تشمل، الهلال الخصيب ويثرب وخيبر ودلتا مصر!!.

ما نريد أن نخلص اليه هو أن اسرائيل بعد شارون، ستبقى، هي نفسها، قبل شارون!.

ان المجتمع الاسرائيلي، ليس مستعداً للسلام، بل... لن يكون مستعداً أبداً، قبل ان ينزاح ويزول تأثير الخرافات والأساطير التوراتية التلمودية عن الذهنية اليهودية التي حالت، في الماضي، ولم تزل تحول بين اليهودي وبين إشعاع جوهره الانساني!!.

سجلها أمامك: أياً كان خليفة شارون، وأياً كان موقعه واسمه أو حزبه، فلن يكون إلاّ ذا شهرة وباع طويل في ذبح الفلسطينيين وتشريدهم وتدمير حياتهم!!.