النهار ،سركيس نعوم

يحرص البعض في القيادة السياسية العليا في سوريا لدى استقباله زواراً لبنانيين على اطلاعهم على اخبار وتحليلات وخلاصات مشاورات جارية بين دمشق والعواصم العربية والاقليمية والدولية تشير في معظمها الى ان وضع سوريا في المواجهة الشرسة التي تخوض رسمياً منذ اواخر صيف 2004 مع المجتمع الدولي بزعامة اميركا ليس ميؤوساً منه كما يحاول اخصامها بل اعداؤها في لبنان ان يصوروا. وتشير ايضاً الى ان ابواب التفاهم مع المجتمع المذكور حول عدد من القضايا المختلف عليها معه ليست موصدة. وتشير ثالثاً الى بدايات اتفاق مع واشنطن حول بعضها وتحديداً حول العراق. وهي تهدف من ذلك ربما الى تحقيق امور ثلاثة مهمة. الأول، هو تعزيز التلاحم القائم بينها وبين حلفائها اللبنانيين "المخلصين" والحؤول دون نجاح "الاعداء" في زرع الشكوك في نفوسهم والعقول. والثاني، هو اخافة اخصامها او اعدائها اللبنانيين من اتفاق او تفاهم بين دمشق وواشنطن بل المجتمع الدولي يكون على حسابهم وعلى حساب بلادهم الأمر الذي يدفع بعض "قليلي الايمان" منهم اذا وجدوا الى ان ينأوا بأنفسهم تدريجا عن المواجهة الدائرة تمهيداً للعودة الى الاصطفاف حيث كانوا في السابق، وبعض "كثيري الايمان" منهم الى الشك في حلفائهم الاقليميين والدوليين وحتى في تحالفاتهم الداخلية "فينفخت الدف ويتفرق العشاق" على ما يقول المثل اللبناني الشائع. اما الثالث، فهو دفع المحايدين بين طرفي الصراع في لبنان ومع سوريا والذين يعتبرهم البعض خائفين او مترددين اكثر مما هم محايدون الى الاندفاع في السعي لايجاد حلول وسط ولاقناع الجميع بها. ومن شأن ذلك بلبلة ساحة الداخل وارباك ساحة الخارج. كما ان من شأنه اذا نجح ان يحقق مكاسب لسوريا لأنها لا تزال موجودة في لبنان في شكل او في آخر ولأن أي تفاهم مع "دولته" غير المنجزة او الناقصة وفي ظل الانقسامات المعروفة سيكون اتفاقاً بينها وبين نفسها اذا جاز التعبير على هذا النحو.

ما هو آخر خبر أو تحليل من النوع المشار اليه اعلاه سمعه زوار دمشق في الاسابيع الأخيرة؟

الخبر أو التحليل المعلوماتي اذا جاز وصفه على هذا النحو يتعلق بالموضوع العراقي مباشرة وبالمنازلة السورية – الاميركية مداورة. وهو يقول ان تفاهماً تم او صار قيد الانجاز بين الولايات المتحدة ومصر على ارسال الاخيرة نحو خمسة عشر الف جندي وربما اكثر الى العراق لملء الفراغ التدريجي الذي سيحدثه الانسحاب العسكري الاميركي التدريجي والبطيء منه، وكذلك لطمأنة الفريق العراقي "المقاوم" للاحتلال. ويقول ايضاً ان هؤلاء الجنود سينتقلون الى العراق عبر الاراضي السورية وتحديداً عبر مدينة حلب التي يجري حالياً توسيع مطارها لهذه الغاية ولغايات اخرى.

ما مدى صحة هذا الخبر او التحليل المعلوماتي؟

وجهنا هذا السؤال الى وزير خارجية بريطانيا جاك سترو اثناء زيارته "النهار" الاسبوع الماضي لتقديم التعازي لأسرتها واسرة الشهيد جبران تويني فنفى علمه به. واضاف بلهجة جازمة انه ليس مطروحاً. وجهنا السؤال نفسه الى احد المصادر المهمة في العاصمة الاميركية واشنطن فكان جوابه ان موضوع السؤال يشير الى امكان قيام مصر بدور سياسي – عسكري في العراق بالتفاهم مع اميركا وقوات التحالف العسكري الموجودة على ارضه. وهذا يفترض ان يسبقه حوار جدي ومعمّق بين المسؤولين المصريين والاميركيين. وحوار كهذا لم يبدأ حتى الآن حول هذا الموضوع علماً ان المشاورات مستمرة بينهم سواء حول العراق ووسائل تهدئته او حول كل القضايا الاقليمية الساخنة بدءاً بلبنان وسوريا وانتهاء بالمشكلة الايرانية مع المجتمع الدولي. وكان جوابه ايضاً ان ارسال قوات مصرية الى العراق احتمال يمكن ان يتحقق في المستقبل وخصوصاً بعد توافر شرطين مهمين. اولهما، اقدام اميركا على اجراء خفض ملموس لقواتها في العراق الامر الذي يفرض التعويض عن ذلك بقوات اخرى. وثانيهما قبول الشعب العراقي بكل طوائفه واتنياته دخول قوات مصرية الى اراضيه ولا سيما منهم المنتمون الى الطائفة السنية، ذلك ان الهدف هو طمأنة السنة العراقيين الذين يشعرون بمخاوف كبيرة بعدما اظهرت التطورات التي عاشوها منذ انهيار صدام حسين بفعل الغزو الاميركي – البريطاني انهم اقلية. وكان جوابه ثالثاً، ان العراق يحتاج الى اكثر من خمسة عشر الف جندي للنجاح في تطبيع الوضع العراقي رغم "الترحيب" الذي قد يستقبلهم به بعض العراقيين. وكان جوابه رابعاً، ان الاستعانة بقوات عسكرية من دول بقيت خارج التحالف الذي قاد الغزو قد تكون افضل من الاستعانة بقوات دولة واحدة وذلك لاعتبارات متنوعة معروفة، وهذا يعني ان مصر قد تشترك في القوة المطلوبة وكذلك دول عربية اخرى بعضها خليجي وربما قوى من دول اوروبية مثل فرنسا. وكان جوابه خامساً، ان هذا الموضوع الموجود في "رؤوس" المعنيين لم يوضع على طاولة البحث الجدي بعد.

اما عن موضوع انطلاق القوات المصرية الى العراق عبر الاراضي السورية فيقول أحد المصادر المهمة للمعلومات في العاصمة الاميركية نفسه انه يرتبط بصورة اساسية بالتطور الذي تشهده العلاقة بين سوريا واميركا، فاذا تحسنت هذه العلاقة نتيجة استجابة الاولى الشروط الاميركية او معظمها واقدامها على تنفيذها او البدء بتنفيذها يصبح ذلك ممكنا، واذا لم تتحسن فإن أي دور سوري في العراق وان كمحطة انتقال لن يكون ممكناً.