سركيس نعوم/النهار

لا يشك أحد من اللبنانيين في ان المسعى السعودي المدعوم مصرياً لوضع لبنان وتحديداً الغالبية النيابية الحاكمة فيه وسوريا على طريق حوار يوقف التدهور السياسي والامني بينهما ويؤسس لعلاقة وثيقة تأخذ في الاعتبار مطالب كل منهما وتحترم في الوقت نفسه سيادته واستقلاله ونظامه - لا يشك احد منهم في ان هذا المسعى قد اخفق على الأقل في المرحلة الراهنة. لكن عدم الشك الاجماعي هذا اثار ولايزال يثير في نفوس اصحابه اللبنانيين اسئلة وتساؤلات مع بعض التعجب عن الاسباب الفعلية لهذا الاخفاق. ذلك انهم اعتقدوا ولا يزالون يعتقدون ان الشقيقين الاكبرين لبلادهما أي مصر والمملكة العربية السعودية يتفهمان تماماً مشكلاتهم الداخلية ومشكلاتهم مع سوريا ومدى التفاعل والتأثير المتبادل بين هذين النوعين من المشكلات ويتفهمان في الوقت نفسه الوضع السوري الحالي الأمر الذي يدفعهما الى مساعدته تلافياً للأسوأ في سوريا ولبنان والمنطقة رغم عدم اقتناعهما بالكثير من سياساتها او بالاحرى عدم فهمهما لها. ويسعيان الى ترتيب للعلاقة اللبنانية – السورية لا يكون على حساب لبنان كما جرت العادة او كما كان دأب الشقيقين الأكبرين في مراحل متنوعة من الحروب الأهلية وغير الاهلية وغير اللبنانية وحتى مرحلة اللاسلم واللاحرب التي اعقبتها. علماً ان ذلك ما كان ليحصل لولا الاضواء الخضر الدولية وتحديداً الاميركية في حينه.

هل من اجوبة عن اسئلة اللبنانيين وتساؤلاتهم هذه؟

المعلومات وتالياً التحليلات المتوافرة عن المسعى السعودي الاخير المدعوم او المدفوع مصرياً متنوعة بتنوع مصادرها وتضارب مصالحهم وهي تبعاً لذلك متناقضة الأمر الذي يجعل كل من يحاول الاجابة عن هذا السؤال يقع اما في التناقض واما في الغموض واما في الاثنين معاً. فالمصادر القريبة من الغالبية النيابية وتالياً من الغالبية الحكومية، والاثنتان قريبتان جداً من المملكة العربية السعودية ثم مصر، تقول استناداً الى معلوماتها او الى المعلومات التي وفرها المسؤولون في الرياض لاقطاب الغالبيتين ان المملكة لم تقم في المسعى الاخير المشار اليه اعلاه الا بدور الوسيط. أي انها اثناء سعيها لمساعدة اللبنانيين في ترتيب وضعهم الداخلي المتردي والمفتوح على تطورات بالغة الخطورة ولمساعدة سوريا على وقف المواجهة التي تخوض مع المجتمع الدولي نظراً الى مضاعفاتها السلبية عليها ولمساعدة الدولتين على حل خلافاتهما التي كانت سبباً اساسياً لكل المشكلات التي يعانيان حالياً، اي انها (السعودية) تلقت مقترحات معينة من القيادة السياسية السورية العليا لحل المشكلات مع لبنان او للبدء بحلها فتحركت في اكثر من اتجاه وعلى اكثر من صعيد كما تحرك الرئيس السوري في الاتجاهات نفسها وعلى الصعد نفسها. والأمر نفسه فعله المصريون. وبذلك تنفي المعلومات أي تواطؤ بين السعودية ودمشق.

والمصادر القريبة من دمشق وحلفائها اللبنانيين اكدوا اواخر الاسبوع الماضي ان الافكار التي طرحت في قمة الاسد – عبد الله ثم قمة الاسد – مبارك لم تكن سورية فقط ذلك ان السعودية شاركت فيها في شكل او في آخر الأمر الذي جعل هويتها مشتركة. واشاروا الى ان مصر اساساً لم تكن بعيدة عن هذه الافكار لكن سعيها الى بلورتها قبل بضعة اسابيع عبر الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لم ينجح بسبب رفض الغالبية النيابية والحكومية اللبنانية.

أي معلومات أقرب الى الصحة والواقع؟

باستثناء المعنيين مباشرة بالتحركات السعودية – المصرية – السورية وبينهم لبنانيون لا أحد يستطيع ان يقدم جواباً حاسماً عن هذا السؤال، ولا يبدو ان هؤلاء، ولا سيما منهم اللبنانيون، يمكن ان يضعوا النقاط على الحروف في هذا الموضوع الآن على الاقل لاعتبارات عدة منها المصالح السياسية وغير السياسية، ومنها الحاجة الى استمرار دعم الاشقاء – الحلفاء وخصوصاً بعدما اظهروا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الماضي رغبة "صادقة" في المساعدة على اكتشاف حقيقة هذا الاغتيال وتمكين لبنان من استعادة نفسه وكل مقوماته وثوابته الوطنية. الا ان ذلك لا يمنع اللبنانيين من التساؤل ولا يمنعهم تالياً من الاستنتاج. وحالتا التساؤل والاستنتاج هاتان لا بد ان تثيرا القلق في نفوسهم وان توقظا مخاوفهم علماً انها لم "تنم" بعد ومعها الهواجس. والتساؤلات هي: هل ان دور الوسيط يقتصر على نقل افكار من طرف الى آخر أو يساهم في بلورة الافكار المطروحة من كل منهما وفي تقريبها بعضها من بعض بحيث لا يعود الاتفاق متعذراً؟ وهل الاجتماعات الرسمية ذات الحفاوة الفائقة بالضيوف (الزيارة الاخيرة للرئيس الاسد للسعودية) هي لنقل افكار أم انها تكون عادة تتويجاً لوساطة ناجحة او على الاقل اتفاقاً بين المجتمعين على خطة مشتركة لحل نزاع ما مع آخرين؟ وهل عدلت المملكة العربية السعودية واستطراداً مصر (علماً ان قريبين منها حاولوا اخيراً ابعادها عن هذا الموضوع) في موقفهما المتعاطف مع لبنان والداعي سوريا الى احترامه دولة مستقلة وسيدة وحرة والداعي والمجتمع الدولي الى عدم زعزعة الاستقرار في الاخيرة عبر محاولة تقويض النظام الحاكم فيها؟ ام أنهما وقعتا في "فخ الشطارة" السياسية السورية الذي طالما وقعتا فيه في العقود السابقة؟

اما الاستنتاجات فكثيرة ابرزها اثنان. واحد يتعلق بالسعودية وآخر يتعلق بمصر. الأول، يشير الى اقتناع السعودية بعد اعادة تقويمها لاوضاع المنطقة كلها وليس في لبنان او سوريا فحسب ان هذه المنطقة تقف على فوهة بركان. اذ يبدو ان المواجهة السورية الاميركية الدولية توسعت رسمياً (علماً انها كانت كذلك دائماً) لتصبح مواجهة اميركية دولية مع سوريا وايران القوة الاقليمية العظمى، وخصوصاً بعد وصول المفاوضات الاوروبية مع طهران حول الطاقة النووية الى طريق مسدودة او الى ما يشبه طريقاً كهذه، وفي مواجهة من هذا النوع لن تشعر السعودية بالارتياح على الاطلاق وخصوصاً اذا استمرت في سياسات مناهضة لطهران ودمشق سواء في لبنان أو في العراق او في سوريا نفسها وذلك نظراً الى قدرة الحاكمين في هاتين العاصمتين على توتير الاوضاع الداخلية فيها بدءاً بمناطقها الشرقية. علماً ان المملكة اظهرت دائماً وعلى مدى عقود حرصها على عدم الدخول في مشكلات او نزاعات "نهائية" مع سوريا رغم عدم "محبتها" للنظام فيها لمعرفتها بقدرتها على ايذائها باكثر من طريقة. اما الاستنتاج الثاني فيشير الى اقتناع مصر بأن الفوضى في سوريا ستقوي شوكة "الاخوان المسلمين" فيها الذين يبقون التنظيم المعارض الاقوى والاكبر ومن شأن ذلك اعطاء دفع معنوي لـ"الاخوان" المصريين الذين حققوا في الانتخابات النيابية الاخيرة أول مكسب مهم لهم منذ نشأتهم رغم قمع الاجهزة وممارساتها. ومن شأنه ايضاً دفع اميركا الى التحاور مع "اخوان" سوريا للتفاهم على بديل. وماذا يمنع تكرار هذا التفاهم مع "اخوان" مصر اذا تم التوصل اليه في سوريا؟

الى أين من كل ذلك؟

الى امور ثلاثة. الأول، ان وحدة اللبنانيين على تنوعهم وعلى صعوبتها هي الوحيدة التي تحفظ لهم وطنهم واستقلاله وسيادته وحريته. وفي ظل وحدة كهذه لا يعود في استطاعة القوى الاقليمية المهمة من صديقة وشقيقة والقوى الدولية ان تبيع وتشتري بلبنان كما يقال. والثاني، عدم مطالبة الاشقاء والاصدقاء باكثر من طاقتهم. فاللبنانيون يشعرون بالشكر للمملكة العربية السعودية ولمصر ولغيرهما منذ اواخر 2004 لما قدمته من دعم مكنهم من الصمود في مرحلة بالغة الصعوبة. ويشعرون بالامتنان لايران وسوريا للمساعدة الكبيرة التي قدمتاها لتحرير الجنوب من اسرائيل في ربيع عام2000. لكن عليهم ألا يشعروا بالصدمة اذا رأوا المملكة ومصر تسيران في اتجاه معدل بعض الشيء وان لا يبادرونهما الى النقد فالعداء. فمساعدتهما ضرورية ومفيدة ولكن لا يكلف الله نفساً الا وسعها. وعليهم ألا يتفاجأوا بمواقف ايران وسوريا لأنهما تحافظان على مصالحهما بل ان يحددوا مصالح وطنهم ويتفقوا عليها وبذلك يقفون صفاً واحداً وبنجاح امام الخارج على تنوعه. اما الامر الثالث فهو مواصلة الاعتماد على المجتمع الدولي من دون الارتهان للقوى المسيطرة عليه وعدم استعماله لحسم صراعات داخلية او حروب داخلية لم تنته واخرى لم تبدأ بعد على الاقل عسكرياً وعدم قبول تحويل لبنان رأس حربة في مواجهاته الاقليمية.