حازم صاغيّة/الحياة

تراءى، قبل يومين، كأن جورج بوش الإبن مهتمّ بتوفير عمل لوالده، جورج بوش الأب. فحين وصل الأخير الى باكستان، مبعوثاً خاصّاً للأمم المتحدة لإغاثة متضرّري الزلزال الذي ضربها قبل شهرين ونيّف، كانت طائرات نجله تقصف بلدة دامادولا وتضيف الى ضحايا الطبيعة 18 ضحية جديداً.

السياسة الخرقاء تلك تجعل مصادقة أميركا، في لحظات جموحها وهيجانها، مهمة صعبة. فكأن الولايات المتحدة، كما وُصفت فرنسا مرةً، مثل الشمس، تضيء من بعيد وتُحرق من قريب. هذا، على الأقل، ما تقوله الكارثة الباكستانية الأخيرة على شكل درس بليغ. فبرويز مشرّف أنشأ تحالفاً كاملاً مع أميركا بعد محنتها في 11/9، ولم يكن انقضى عليه عامان في السلطة. وهو تحالف لم يكن شعبياً، اصطدم بالعواطف الاسلامية الراديكالية الواسعة الانتشار في بلده، اصطدامه بالرابطة الباشتونية التي تشد ملايين الأفغان الى ملايين الباكستانيين، فضلاً عن المواقع الأمنيّة والمصالح التجاريّة، الشرعيّ منها وغير الشرعيّ، التي نمت في كنف الحرب الأفغانيّة ضد السوفيات وما تلاها.

وعلى رغم هذا، أقحم مشرّف أعداداً غير مسبوقة من جنوده في عمليّات دمويّة ومكلفة لمطاردة كبار رموز «القاعدة»، ومكافحة نفوذها بصورة أعمّ. ولم تُبدِ الولايات المتحدة من التفهم والتقدير ما أبدته من الانزعاج لأن الرئيس الباكستاني لم يمنح قواتها في افغانستان الحق في عبور الحدود الى بلاده بحثاً عن مقاتلي «القاعدة» وناشطيها. وقد ازداد الانزعاج في الأشهر الأخيرة مع تصعيد القيادة العسكرية الأميركية ضرباتها ضد التنظيم الارهابي، وتصاعد حاجتها الى عبور الحدود.

ومفهومٌ ان يحس العسكريون الاميركيون بشيء من الاحباط وهم يرون مقاتلي «القاعدة» يفرّون منهم للاختباء بين السكان المدنيين في باكستان، على جاري عادة الارهابيين. لكن من غير المقبول التعامل مع بلد، مطلق بلد، كأنه مجرد جسر لتحقيق أغراض واشنطن العسكريّة، خصوصاً ان البلد المذكور لم يتردّد، في الحدود التي يستطيع، في خوض الحرب على الارهاب ومطاردة صانعيه والقبض عليهم.

وهو سلوك خطير في وجهين على الأقل، أولهما اعتبار الضحايا المدنيين الباكستانيين احتياطي موت ضرورياً في حرب تُشن على من قتلوا مدنيين أميركاناً. ومعنى ذلك، استطراداً، وجود تمييز نوعي بين مدنيين ومدنيين يتجاوز حدود الأولوية الوظيفيّة التي لا بد أن تمنحها الحكومة، أية حكومة، لرعاياها. اما الثاني، فمؤدّاه الإسهام في إضعاف الدولة الباكستانية واستنزاف هيبتها في أنظار شعبها. فإذا صحّ ان «الدول الفاشلة» سبب من أسباب الارهاب، على ما جاء في تحليلات غربيّة لا تُحصى، كان السلوك الأميركي هذا واحداً من أسباب إفشال الدولة الباكستانية، ومن ثم، تمكين الإرهاب منها ومن مجتمعها.

لقد جاءت المأساة الباكستانية الأخيرة - بعد مآسٍ مشابهة سابقة، وبعد معسكر غوانتانامو والتجاوزات على الحقوق المدنيّة فوق رقعة تمتدّ من الولايات المتحدة الى ايطاليا - تحضّ على ضرورة مراجعة الحرب على الارهاب بالطريقة التي تخاض فيها. فكيف وأن الارهاب، أوضعنا مزدوجين حول الكلمة أم أزلنا المزدوجين، ماضٍ في تحقيق انتصار تلو آخر؟