عندما نحاول التظاهر بالقدرة على تجاوز التفاصيل فإننا أيضا نريد القفز على الكثير من المفردات الخاصة بواقعنا، لأن التفاصيل تكشف عمليا طبيعة ما نعيش فيه، أو تدخلنا في متاهة ما نحاول الهروب منه.

فعندما تطرح فتاة إيرانية تجربتها في مسألة الحجاب، فإنها في الواقع لا تقدم أي جديد. وعندما نشرت هذه التجربة في كتاب "فلينزع الحجاب" لم تتجاوز الجرأة المطلوبة التي نراها في الكثير من الكتب أو حتى المقالات .. لكن يبدو أن قضية هذا الكتاب بعد ان ترجم إلى العربية ليست مسألة جرأة، بل استكمال لحالة ثقافية لا تقتصر على سورية.

وبغض النظر عن الإجراءات التي فرضت على الكتاب فإن المسألة تفتح البعد الثقافي الخاص لمسألة التعامل مع حملات الكراهية، وهي مسألة سياسية بامتياز برزت بوضوح مع اتساع الحرب ضد الإرهاب، وهي دعوة تدخل في صلب تفكير المحافظين الجدد قبل ان تصبح أداة استراتيجية لسياساتهم. لأن خطاب الحرب الذي حملوه أنتج على امتداد العالم آليات جديدة ربما لم يكن آخرها ما نشرته الصحيفة الدنمركية "يولاند بوسطن" من رسوم حول النبي محمد وما تبعها من حملة احتجاجات سياسية من قبل الدول الإسلامية.

لا شك أن الحملة الدنمركية لا يمكن النظر إليها ضمن مساحة مغلقة، لأنها تدفع للكراهية مهما كانت مبرراتها، لكنها حملة ضمن الأراضي الدنمركية وضمن "التكوين الثقافي" لهذا البلد. لكن الاستجابة المتشددة لمثل هذه الحملات تظهر عبر الاتجاه الذي يعتبر أن الحرب مفتوحة ويجب استخدام كافة الوسائل ضدها. وبهذا الشكل فإن حملة الكراهية تمتد بشكل سريع نحو ثقافتنا، فتحرمنا من طبيعة التنوع التي نعيش بها.

ربما ليس مطلوبا منا التسامح تجاه "ثقافة الحرب" الموجهة ضدنا، لكنه من غير المسموح أن نمارس نفس الأسلوب على أنفسنا، فتصبح قضية كتاب محدد مسألة خارجة عن الأطر المعتادة للتعامل مع الكلمة ومع النشر ومع الآراء داخل المجتمع.

ما يحدث عمليا هو أننا ننقل مجال الحوار في الأفكار، أو حتى عمليات النقد المعرفي، إلى مساحات أخرى تدخل في إطار "ثقافة الحرب" التي أطلقها المحافظون الجدد، فتصبح الإجراءات أساسا للتعامل بدلا من مساحة التفكير التي يمكن أن تطور الثقافة والمجتمع. وفي الوقت الذي تتجاوز قضية "كتاب" مهما كان عنوانه مجالها في الفكر الاعتيادي فإننا ندخل إلى صلب عمليات التنافر التي يسعى الآخرون إلى فرضها بدلا من التنوع الذي يجمعنا في إطار مجتمع منفتح بامتياز.