بول روجرز/الخليج

كان التمرد في العراق البؤرة الرئيسية لاهتمام الزعماء السياسيين والعسكريين الأمريكيين الساعين الى تنفيذ “الحرب على الإرهاب” خلال سنة 2005. ولكن مع مرور الوقت ذلك العام، ازداد الاهتمام بالتطورات في ايران، الى حد ان احتمال اتخاذ عمل عسكري ضد النظام في طهران بسبب خططه النووية سواء من قبل الولايات المتحدة ذاتها، أو حليفتها النووية “اسرائيل” بدأ يحظى بنقاش جدي.

وقد بلغ هذا التوتر المتصاعد مرحلة حرجة في الأيام الاولى من سنة 2006. فقد استفز قرار الإدارة الايرانية بزعامة محمود أحمدي نجاد، العودة الى اجراء أبحاث تخصيب اليورانيوم في محطة ناتنز، الولايات المتحدة وبريطانيا، وجعلهما تحذران ايران من مخاطر الرجوع الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع احتمال فرض عقوبات على ايران.

وفي وقت أقرب من ذلك، يحتمل توجيه الدعوة الى عقد جلسة طارئة لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبخاصة اذا أكد التقرير القادم للمدير العام للوكالة المذكورة، محمد البرادعي، انه قد اخفق في اقناع ايران بكشف التفاصيل الكاملة لبرامجها النووية.

وتنطوي خلفية الخلاف المتصاعد بشأن التطوير النووي الايراني على حقيقة أساسية، هي: ان الإدارة الأمريكية الحالية تعارض بشدة حصول ايران على المواد التي ستتيح لطهران انتاج اسلحتها النووية الخاصة بها. ويرى معظم أفراد مجتمع المحافظين الجدد العريض في واشنطن، ان من غير المقبول، حتى اقتراب ايران من امتلاك برنامج طاقة نووية مدني، يتضمن تخصيباً لليورانيوم يجري في هذه الدولة. وتعتبر واشنطن مجرد التفكير في مثل هذه العملية، التي يمكن ان تؤدي ببساطة تامة الى اجراء المزيد من تحسين نوعية المواد التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة، أمراً بالغ الخطورة.

وينطوي هذا الموقف على تخل عن مبادئ معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 1970. وتسمح هذه المعاهدة للدول التي لا تملك أسلحة نووية، بإنتاج الطاقة النووية المدنية، لا الأسلحة، مع اتاحة اجراء التفتيش المستمر من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحيلولة دون الغش في ذلك. وتتمثل وجهة النظر الأمريكية الحالية، في ان معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، لا ينبغي ان تنطبق بعد الآن على الدول التي تصفها بأنها “مارقة” أو أنها جزء من “محور الشر”. وقد أسهم هذا الموقف في ضمان التقليل من قيمة ما أنجزه مؤتمر مراجعة المعاهدة المذكورة، الذي عُقد في نيويورك في مايو/ ايار 2005.

وإحدى المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة في الحفاظ على وجهة النظر الصقورية المتطرفة هذه، هي انها تصطدم بالعقبات في معظم أنحاء العالم، باعتبارها توحي بالقول: “افعلوا كما نقول، لا كما نفعل”. فالولايات المتحدة ذاتها، تحتفظ بترسانة هائلة من الأسلحة النووية، التي ألحقتها في السنوات الاخيرة بنوع جديد من الاسلحة، وهو قنابل تدمير الملاجئ، التي تخترق الأرض، وتحفر في باطنها قبل ان تنفجر، فتدمر مستودعات الاسلحة الكيماوية أو البيولوجية، التي قد تكون مدفونة في الأعماق.

وليس من العدل، في واقع الأمر، اعتبار الولايات المتحدة المذنب الوحيد، علماً بأن روسيا ستكون راغبة في انتاج اسلحة نووية جديدة اذا توفرت لها الأموال اللازمة، وان فرنسا والصين تقومان بتحديث قواهما النووية الأصغر حجماً، وان هنالك احتمالات شبه مؤكدة، بأن تقوم بريطانيا باستبدال “قوتها النووية من طراز ترايدنت” خلال السنوات القليلة القادمة.

ومع ذلك، فإن المصاعب التي تواجهها الولايات المتحدة مع ايران، جعلتها الدولة الأشد إصراراً على تغيير صفقة معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، التي يكمن جوهرها في المادة 6 منها، والتي تنص على انه “لا يجوز لدول جديدة ان تصبح نووية، ولكن، في المقابل، يجب على الدول النووية القديمة، ان تتخلى بالتدريج عن ترساناتها النووية”. وحتى الشطر الأول من سنة ،2005 كانت هنالك تقارير موثوقة تقول ان الولايات المتحدة شرعت في تطوير قنبلة نووية جديدة لتدمير الملاجئ، تعرف باسم القنبلة النووية القوية المخترقة للأرض، ولكن الكونجرس قطع عنها التمويل في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ،2005 وكانت احدى نتائج ذلك، الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تحاول تحديث أسلحتها النووية الموجودة، أو تطوير أنواع جديدة منها.

لقد أصبح ثمة بون شاسع بين كل ذلك، وبين متطلبات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، التي تعتبر الآن في واشنطن، شيئاً لا يعدو ان يكون نكتة مضحكة. والمشكلة التي تجلبها مثل هذه الخطط والمواقف هي انها لا يمكن التوفيق بينها وبين المعارضة الصارمة لدول مثل ايران تريد تطوير قواها النووية الخاصة بها. ويشكل “عامل الرياء والكيل بمكيالين”، احدى السمات الفاضحة لعالم الاسلحة النووية، ولكن كون الولايات المتحدة وبريطانيا تنظران الى الأمام الى زمن يبلغ اربعين أو خمسين سنة يعطي هذا التعامل قوة اضافية. والطريقة التي يمكن لهاتين الدولتين ان تخططا بها تحديث أسلحتهما النووية، بينما تمضيان في تعنيف ايران مبتهجتين، لمجرد تفكير هذه الدولة بتطوير برنامج طاقة نووية مدني متكامل، توحي بموقف سياسي سرعان ما سيصبح غير قابل للدفاع عنه.

وغني عن القول ان واشنطن ترى الأمور بصورة مختلفة. وإذا لم تقم “إسرائيل” بذلك أولاً، فقد تشن الولايات المتحدة عملاً عسكرياً ضد إيران في المستقبل القريب نسبياً، وحالما تدخل خطط الأسلحة النووية الأمريكية الجديدة حيز التنفيذ. وقد لا يكون التناقض واضحاً في واشنطن، ولكنه واضح وضوح الشمس في طهران وفي معظم بقاع العالم.