بير رستم

يطرح الأستاذ نجيب نصير في مقاله "العباقرة يؤكدون" والمنشور في نشرة سورية الغد، عدد 28 تشرين الثاني 2005 مجموعة أسئلة هامة وحيوية؛ "لماذا علينا أن نخترع سببا فكريا آخراً لصراع المصالح التي تجتاحنا هذه الأيام؟ لماذا علينا أن نتصرف وكأننا مهزومون لسبب خارج عن إرادتنا ؟ ولماذا على الجواب الساذج والقطيعي أن يأخذ مكانا في عقولنا وأرواحنا ؟ ولماذا على هذا الجواب أن يكون من المسلمات على الرغم من خطورته على بنيتنا الفكرية والاجتماعية بحيث نعود كمضغة جنينية تلعب بها المفترقات والاستحقاقات ؟". وإذا كان الأستاذ نجيب يطرح هذه المجموعة من الأسئلة الإشكالية فإنه لا يكتفي بها وإنما يحاول أن يجد إجابات منطقية وعقلانية في هذه المناخات غير العقلانية؛ "سبب هذا الضجيج هو انقلاب أو تراجع (إذا صح التعبير) نسبة كبيرة من المثقفين اللذين التقيهم عن ما كانوا يدعونه من فهم لواقع الأمر في هذه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها بلادنا (بلداننا) على أنها صراع مصالح تتخاصم عليه وفيه الدول الكبرى في محاولة للسيطرة أو الهبش قدر المستطاع آخذة بعين الاعتبار قوانينها الداخلية الاجتماعية والحقوقية كما تأخذ بعين الاعتبار العزيزة إسرائيل لما لها من سطوة في مفاصل اتخاذ القرار السياسي والإعلامي في هذه الدول".

إذاً هو يعزو السبب إلى " انقلاب أو تراجع.. نسبة كبيرة من المثقفين.. عن ما كانوا يدعونه من فهم لواقع الأمر" ولكن أليس هذا سؤالاً آخراً أستبدل بمجموع الأسئلة السابقة وهي نوع من الميكانيزمية الداخلية الهروبية والتي تلجأ إلى استبدال ما هو توهمي طارئاً ونتيجياً مكان ما هو المحرك والدافع الحقيقي لهذه العقلية الهروبية التبريرية. وكان الأحرى بالأستاذ نجيب نصير أن يبحث في إشكالية هذا الانقلاب أو التراجع لنسبة كبيرة من المثقفين عن ذاك الفهم للواقع واستبداله بـ"نظرة أي أمي متخلف لم يسع يوما لفهم التطور الحاصل بالعالم بل بقي يقطف تفاسير حالتنا من المقولات البسيطة الرائجة والتي تثير الكراهية والحنق والحقد ، بدلا عن التفكير والتحليل"، نعم كان الأجدى أن يبحث في تلك المسائل ولكننا نجد أنه هو الآخر (بالأحرى عقله الباطني) يلجأ إلى نوع من المخادعة والمناورة ليستبدل سبب بسبب آخر دون الخوض في الإشكالية والبحث عن الإجابات الحقيقية.

لا ندعي إننا نملك الإجابات الوافية لهذه الأسئلة الإشكالية ولكن نستطيع الإدعاء بأننا؛ (الذين تمردوا على الثقافة الدينية الأصولية ومن غير جذور عربية) أكثر جرأة من الآخرين عندما نحاول الاقتراب من "دوائر الخوف" ونطرح مفهوم أزمة وإشكالية البنية العقلية لدى المثقف العربي، بكل تلاوينه الأيدلوجية والفكرية، فهو أسير العقلية العروبية والتي لا تستطيع الفكاك من أسر المنظومة الإسلامية؛ كون العروبة والإسلام وجهان لقضية واحدة في رأيه، وهو محق في ذلك، لا إسلام من دون عروبة ولا عروبة من دون إسلام. وكون النص الإسلامي نص ديني مقدس ولا يمكن تغييره وتطويره وهو من الأزل إلى الأبد حافظ في ألواح الرب، فسيبقى الفكر والعقلية العربية ذات اتجاه واحد؛ تبحث عن من يحمل عنها وزر أخطائها ومآسيها، إن كان الغرب وأمريكا أو "العدو" الأزلي إسرائيل.

هنا برأينا مكمن المأساة للعقلية العربية والتي أنتجت بدورها أزمة الفكر العربي، فإذا كانوا جادين في البحث عن مخارج لهذه الأزمة فلا بد بداية طرح هذه الإشكالية بكل جرأة والبحث عن حلول جدية دون التستر والمواربة خلف نظريات التآمر على العرب والإسلام؛ فكيف يمكن لهذه المجتمعات أن تتطور وهي تجد أن كل الحلول والإجابات تكمن في نصها الإلهي المقدس من "التعقيم والطهارة" الكامنة في جناح الذبابة إلى اختراع أديسون للكهرباء. إن هكذا عقلية تحكم على نفسها بالجمود والانغلاق على الذات ومن ثم التآكل والموت، ونعتقد أنه آن الأوان لكي يدق نواقيس الخطر من قبل المثقفين العرب والذين يؤمنون بالرأي والرأي الآخر، مهما كان هذا الآخر مختلف معنا على شرط أن لا ينفي وجودنا.