مقاربة لا نستطيع الهروب منها لأن التنوع هو الرمز الذي نحتاجه في كل لحظة تحاصرنا فيها الشبهات، أو يدفعنا فيها "الآخرون" للدخول في "الحرب الثقافية" المكشوفة، فما احترق بالأمس ليست المباني أو الأوراق المتناثرة، بل الصورة التي نريد أن نضعها أمامنا كمساحة تحمينا من الحرب المعلنة، ومن الفرز الحدي للعالم على محوري "الشر والخير".

ما حدث بالأمس ليس ثورة غضب ... إنه المؤشر
الأول على أننا منساقون وسط حرب ربما أعلنها "فلاسفة" المحافظين الجدد، لكننا كنا أسرع في الاستجابة وصياغة سلسلة من أشكال المحافظة وتغيب المسألة الأساسية في الانتهاك الذي مارسه البعض ضدنا على صفحات المجلات الدنمركية وغيرها. فالمشكلة على ما يبدو ليست رسوما بل رغبة في خوض "حرب" على سياق "طواحين الهواء"، بعد أن نسينا التظاهر في زمن "أبو غريب" و "مجازر فلسطين" و "عربات الموت" المزروعة في قلب بغداد ... نسينا أن نتظاهر عندما رسم البعض ملامح الشرق الأوسط الكبير، وهو يعرف أن هذا الرسم يخلق ميدان حرب لا تنتهي، ويدفع التطرف نحو ذروته النهائية.

نسي المتظاهرون في الشرق والغرب أن "حرمة الرسول" تنتهك يوميا عبر القتل والتهميش الذي نمارسه نحن قبل غيرنا، ونسي المتظاهرون وهم يحرقون السفارة الدنمركية أن "حرمة الرسول" شأن أكبر من الرسوم لأنها مرتبطة بطاقتنا الثقافية أو قدرتنا على تجاوز القرون الوسطى. فإذا كنا بالفعل مؤمنون بـ"حيوية الدين" فربما علينا مراجعة حالتنا المعرفية القابعة بين كتب الشافعي والغزالي وابن حنبل ... بينما نعيش في عالم جديد يحتاج لقوة خارج نطاق المألوف.

عندما نرى الغد في رفع المصاحف فإننا نعود إلى "واقعة الجمل" ... فهل نحن نخوض "حرب الجمل"؟!! كل مؤشرات ما حدث بالأمس توحي اننا مصرون على التعامل مع "توقف الزمن" ... ومع عصبية الدين على شاكلة الروايات المملوكية ... إنها مؤشرات تحتاج بالفعل إلى النظر من جديد إلى صورتنا داخل أنفسنا.

أثبتنا أننا غاضبون ... أننا لا نعرف طبيعة الحرب التي تخاض ضدنا ... لأننا رسمنا الصورة التي يريدها الآخرون عنا ... رسمنا حرب غوغاء ضد أشكال منظمة في الانتهاك .. وكتبناها تكسيرا لكل معاني التنوع الذي كون هويتنا ... وأثبتنا أنه في مواجهة الجهل بطبيعة الحرب القائمة نحتاج بالفعل إلى صور جديدة ... وربما تيارات جديدة تقدم للمجتمع جدية في المواجهة التي تريد فرز العالم ضمن شكلين ... أو تريد إثبات أن للحضارة موقعا جغرافيا محددا بينما نتجه نحن نحو مقولة فوكو ياما في "نهاية التاريخ" ....
"الغد" بـ"اللون السوري" لا يتسامح مع انتهاك الرموز أو الأرواح لكنه يعرف تماما أن التماس الثقافي لا يمكن أن يكون بتثبيت الصورة النمطية لمجتمعنا ... لأن التنوع ميزة انفتاحنا وقدرتنا على تجاوز أي أزمة لـ"متطرفين".