نجيب نصير

حاجة مغفلة لوقت طويل، مع أنها ضرورة للاستمرار المجتمعي، فوجئنا بحاجتنا الملحة لها هذه الأيام ومن الباب الاقتصادي تحديدا... فجأة وهكذا لله بالله لحظنا أننا بحاجة إلى ( بيئة تنافسية )، وفجأة اكتشفنا أن البيئة التنافسية هي الحاضن الحقيقي للفعالية وأضفنا من عندنا توصيفها بالاقتصادية، وذلك بمناسبة الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد الاجتماعي، واليوم ماذا نفعل ؟ هل نطلق مناقصة داخلية خارجية لشراء بيئة تنافسية جاهزة نركبها ونشغلها ونتأمل جمالها، أم نعترف بصريح العبارة إننا إمام استحقاق عولمي لا طاقة للشتائم ( موضة شتم العولمة ) بردعه أو تأجيله وهذا اضعف الحقائق !!!! ؟ أم نعترف أن التنافس هو الصيغة الإنسانية للاحتراب والتطاحن على المصالح، وهو الصيغة الممارساتية للجدل المؤدي إلى الوجود والارتقاء، اليوم يتم الكلام عن بيئة تنافسية كحاجة أساسية لمواجهة استحقاقات التجارة العالمية أو العولمة والتي بدأت فعالياتها المؤطرة منذ ستينيات القرن الماضي، أي بيئة تنافسية في مواجهة الخارج في محاولة لإنقاذ الفعالية الاقتصادية الوطنية، إذ كيف ستستمر السلعة المنتجة وطنيا في الوجود مع حضور سلعة أجنبية منافسة شكلا ومضمونا، سعرا ونوعية، تكلفة وأرباح.؟ حيث يتوقف مفهوم الإنتاج عند السلعة الاستهلاكية المباشرة وهو اجتزاء للمفهوم التنافسي ذاته فما بالنا ببيئته ؟

إن التأسيس للبيئة التنافسية هو تأسيس لذهنية جديدة ولثقافة اجتماعية جديدة، وليس مجرد استبيانات ( لا ترقى للإحصاء ) ترمي إلى استكشاف جزئي لبيئة صناعية أو تجارية أو حرفية، وتنفيذ بعض الإجراءات المقدور عليها مع المحافظة على ذهنية تقليدية، فالتنافس هو المساواة وهو الشفافية وهو المعرفة وهو المبادرة والأبحاث وهو الإبداع وهو قبل كل شيء مسؤولية اجتماعية مصلحية هو ليس خلاصا، انه ذهنية وثقافة مجتمعية، واليوم ونحن نبحث عن إجراء إداري اسمه بيئة تنافسية، نعرف تماما انه غير موجود لا في بيروقراطيات الإدارة الحكومية ولا في المصانع ذات الاستثمارات البسيطة، إنما هي موجودة في المجتمع في ذهنيته تحديدا أي في العمل وقيمته في التعليم والفن والإبداع والمبادرة في الصدق والعقلانية في المسؤولية واحترام الذات في التعامل مع المال العام والخاص في التعاون والتكامل الخ.

إذا كانت البيئة التنافسية هي شرط الدخول إلى عالم اليوم الذي فاجئنا بعد أن انذرنا منذ ستينيات القرن الماضي وحولنا إنذاراته إلى نقد كوميدي لا يسمن ولا يغني عن جوع أو إلى إجراءات إدارية اسعافية وتكتيكية، فأننا اليوم بحاجة إلى إعادة تأسيس استراتيجية لذهنية حرة قادرة على الجدل بأدوات الغد.. فاليوم هو تاريخ في عرف من يريد حقيقة أن ينافس.