ديما عودة

كنت أشاهد أمس مسلسلاً مصرياً عن ملحمة وطنية واقعية من ملفات المخابرات المصرية فلفت انتباهي احد المشاهد حول رجل يهودي من المقيمين في مصر يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي كان يسعى لتجنيد شاب مصري والده لواء متقاعد، وهذا الشاب ما زال في مرحلة الدراسة الثانوية، فسأله صديق له وماذا سيفيد إسرائيل هذا الفتى اليافع؟ فأجابه الرجل سيفيدها بعد أن ينهي دراسته و يلتحق بالكلية الحربية ثم يتخرج منها ضابطاً في الجيش و يتسلم منصباً مهماً اعتماداً على معارف والده. فأجاب الصديق: (يااااااااااااااه..............أد كده هناك في إسرائيل بيفكروا لبعيد).

طبعاً هذه الجملة بالذات هي التي أثارت حفيظتي، ففضلاً عن أن كاتب السيناريو مصري عربي، المسلسل موجه للشارع العربي، أي أن هذه الرسالة التي يتضمنها هذا الطرح ستصل لكل المشاهدين العرب و العارفين بها سلفاً ألا وهي أن إسرائيل تخطط لسنوات و سنوات قادمة، وليس خفياً على أحد أنها تراقب كل صغيرة و كبيرة تتعلق بها خاصة، و بالشرق الأوسط عامة، وتقتلها بحثاً و تمحيصاً لتوظفها في خدمتها.

بالرغم من ذلك، لا أدري عمداً أم جهلاً، نصر نحن العرب خاصة والمسلمين عامة على غض أبصارنا عن هذه الحقيقة.

سأعود بكم إلى حدث ليس ببعيد أثار حفيظة المسلمين جميعاً ليس فقط العرب منهم وهو حدث نشر صحف دنماركية و نروجية صوراً مسيئة للرسول الأكرم محمد (ص)، وبدأ منذ ذلك الوقت مسلسل من الإحتجاج و الإستنكار لم ينته حتى الآن، من الطبيعي جداً أن يحتج المسلمون على تلك الإساءة البالغة بحق نبيهم الكريم لكن هذه الاحتجاجات جاوزت كل الحدود. و قد يسأل البعض هنا " وما لذلك دخل بإسرائيل؟".

تبين أن هذه الصور المسيئة للنبي (ص) قد نشرت في شهر أيلول من العام 2005 في بعض الصحف الدنماركية و النروجية المحلية، لكن الحملة ضدها بدأت في أواخر شهر كانون الثاني من العام الحالي 2006، أي أن هنالك ما لا يقل عن ثلاثة أشهر بين نشر تلك الصور و بين إثارة الحملة ضدها في العالمين العربي و الإسلامي.

و السؤال هنا لم هذا التوقيت بالذات؟ طبعاً لم يفكر احد بإسرائيل و أمريكا راعية مصالحها وما قد يكون لهما من دور في خلق أزمة للعرب و المسلمين مع الدولتين المتورطتين بنشر تلك الصور ومن ثم مع أوروبا عموماً، ولم يفكر أحد بمدى الفائدة التي ستجنيها كل منهما في إلصاق تهمة الإرهاب و العنف بالعرب و المسلمين كافة. وقد يسأل البعض و أين مصلحتهما في ذلك؟ سأجيب أن المصلحة تكمن في الآتي: ففي ليلة ليلاء من ليالي الشتاء و بالتحديد في ‏6‏/1‏/2006 أذاعت قناة الجزيرة الفضائية خبراً صغيراً مرّ مرور الكرام و نزل على موقع القناة ذاتها عل شبكة الانترنت متوارياً خجولاً.

و إليكم ما جاء في هذا الخبر بالتفصيل: "جدل بالنرويج بعد قرار وزيرة الاقتصاد مقاطعة بضائع إسرائيل: أثارت دعوة وزيرة الاقتصاد والمال النرويجية كريستين هالفرشن النرويجيين إلى مقاطعة البضائع الإسرائلية جدلا إعلاميا وسياسيا كبيرا في البلاد. فقد دعت الوزيرة التي تترأس حزب اليسار الاشتراكي إلى المقاطعة احتجاجاً على سياسة إسرائيل غير العادلة ضد الشعب الفلسطيني. وأعلنت هالفرشن التي تعتبر أحد أعمدة الحكومة الائتلافية الحالية أن "هدفنا الذي نسعى إليه في الحزب هو حض المستهلكين النرويجيين على عدم شراء البضائع والخدمات الإسرائلية، واختيار البضائع والخدمات من دول أخرى".وأضافت أن حزبها سينظم بالتعاون مع بعض المؤسسات والمنظمات الداعمة للفلسطينيين حملة للتضامن مع الشعب الفلسطيني" في نهاية الشهر الجاري تهدف إلى "إظهار إسرائيل على حقيقتها"، مؤكدة أنها ستقوم بدعم تلك الحملة شخصياً وبكل ثقل وقوة.
وقالت هالفرشن في مقابلة مع صحيفة "داق بلادة" المحلية ذات التوجه الاشتراكي إنها تشعر بفخر واعتزاز لكونها إحدى المقاطعين للبضائع الإسرائيلية منذ فترة طويلة، انطلاقاً من اقتناعها الشخصي.

وأشارت إلى أن الهدف من المقاطعة هو خلق ظروف أفضل لفهم القضية الفلسطينية بين أوساط الشعب النرويجي، وحمل الحكومة الحالية على ممارسة الضغط على إسرائيل وتبني فكرة مقاطعتها في المحافل الدولية.
ردود الأفعال على مبادرة هالفرشن بدأت منذ اللحظة الأولى لنشر تصريحاتها الصحفية، ونظمت القناة الثانية TV2 برنامجاً خاصاً الليلة الماضية ضم كافة الأقطاب المعارضة لمبادرة الوزيرة. وخلا البرنامج من أي تمثيل لحزب اليسار الاشتراكي صاحب المبادرة أو أية شخصية تؤيد رأي الوزيرة، وانفرد بالبرنامج النائب البرلماني كارل هاغن زعيم حزب التقدم وشخصية يهودية ووزير الخارجية إضافة إلى شخصيات أخرى."

طبعاً لم يلق هذا الخبر أي اهتمام عربي أو إسلامي حيث باتت القضية الفلسطينية على ما يبدو رغم مرارتها حدثا يقبل به الجميع ويتعايشون معه باستثناء القلة القليلة.
أما إسرائيل التي باعتراف كاتب السيناريو المصري تهتم بكل شيء وبأي حدث مهما بدا صغيراً أو هامشياً و كعادتها اهتمت بالأمر، و بما أنها ، تخطط لمدى بعيد جداً قررت ضرب هذه المصلحة للشعب الفلسطيني، وهي بذلك تحمي مصالحها في النروج وكل اوروبا من جهة و تقضي على أي تعاطف اوروبي مع العرب و المسلمين من جهة ثانية، بعد ان ابدى هؤلاء تعاطفا جامحا بالسنوات الاخيرة مع الفلسطينيين، واظهرت استطلاعات راي اوروبية ان اسرائيل وامريكا وحدهما تهددان الامن والسلم الدوليين، ولم تبذل اسرائيل جهداً كبيراً في الوصول لمبتغاها إذ وجدت في تلك الرسوم المسيئة مادة دسمة تثيرحفيظة المسلمين و تخرجهم عن طورهم. و فعلاً هذا ما حدث و جاءت ردود الافعال عنيفة جداً و أكثر بكثير مما ينبغي.

وهذا ما كانت تسعى اليه اسرائيل من عداء بين المسلمين و أوروبا وهي أول و أكبر المستفيدين، ليس فقط على المستوى المادي بل حتى على المستوى الإنساني. فعندما يصبح الاسلام في أعين الغرب دين إرهاب و عنف تغدو إسرائيل بريئة من الإرهاب الذي طالما انطبع باسمها.و بذلك يبرر لها كل القتل و الإجرام و الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني على أنها تدافع عن نفسها ضد الإرهاب.

صدق المثل العربي الذي يقول ان مصائب قوم عند اسرائيل فوائد؟