لم نر وليد جنبلاط في " الفورمة " يوماً كما شاهدناه اليوم في مؤتمره الصحفي في واشنطن بدا جنبلاط قوياً واثقاً وهو يطلب المساعدة من الأمريكيين لتحرير بلده من مواطنيه الآخرين ، وإبعاد خطر حلفائه السابقين في دمشق ، جنبلاط معه كل الحق في الثأر على عادة إقطاع الجبال من قتلة
أبيه لكن إعتذاره عن تحالفه ربع قرن مع ذاك النظام القاتل بداعي الخوف لم يستو منطقياً مع تحالفه مع عبد الحليم خدام المنشق على ذلك النظام والذي كان بيده ملف لبنان، وبالتأكيد إن كان السوريون قد قتلوا أبيه فخدام صديقه وحليفه الجديد هو عراب ذلك الاغتيال ، و إن كان تحالفه السابق بداعي الخوف فما هو داعي تحالفه الجديد مع أحد قتلة أبيه ؟؟؟

الطبقة السياسية اللبنانية مهترئة ومنحطة لا شك ،وكذلك شقيقتها السورية الكبرى وبالأخص أيام ما كان يسمى بالحكم الوطني الليبرالي حسب الليبراليين الجدد السوريين الذي عج بعملاء ومأجورين و " خزمتشية " سفارات، ضاقت دائرتهم مع اشتداد مركزية الدولة التي أرساها حافظ الأسد موحدة القرار تجاه الخارج ولعلها إقتصرت على أقطاب بعينهم تحت السيطرة لا أكثر .
ترك وليد مؤتمر الحوار الذي قد يوقف سيناريو الخراب القادم ليذهب إلى حيث ينتظر منذ سنوات استدعاءه ، ليطلق من هناك حملته على الشعب السوري الذي ألحقه بحكامه
" الديكتاتورين " داعياً إلى حصارهم دبلوماسياً وإقتصادياً ، يردد وليد دوماً أنه يساعد الشعب السوري بذلك ويتمنى له حكاماً أفضل لكنه لا يغوص بعيداً في التدخل فمستقبل سورية لا يقرره هو كثر الله خيره بل تقرره المعارضة السورية " المجهرية " ، ولذلك تراجع عن دعوته الأمريكيين لاحتلال سورية واكتفى بعقوبات إقتصادية ،
بالفعل الغبطة والسرور تسربل السوريين وهم يشاهدون من كان يتمسح عند أقدام الرئيس السابق حافظ الأسد طالباً وحدة إندماجية مع سورية في عز دين قهر الثمانينيات الذي يذكرها السوريين بلوعة وألم .

معه كل الحق وليد جنبلاط فمركب المنطقة تتقاذفها أمواج الحرية الأمريكية، ولعل رسالة نصفه الحلو المنشق عنه ، والعروبي الصامد الشريف و " الأصيل " آلة المحاضرات السورية وئام وهاب التي وجهها له على صفحات جريدة الديار تعبر تماماً عما أقلق مضاجعهما من قدوم مباشر للأمريكيين إلى المنطقة ،
"درزيان " قلقان على مستقبل طائفة – "هما" أو درعهما الواقي لا فرق من لبطة أو نطحة صغيرة للثور القادم إلى المنطقة
الأول وئام وهاب رأى أن الحفاظ " علينا " هو بتشديد التحالف مع دمشق العروبة فهي إمتدادنا وتاريخنا !!
والثاني وهو الأذكى والأكثر عملية رأى أنها عروبة مهزومة ضائعة سيبني الأمريكيون على أنقاضها استثمارات جديدة، لن يكون نصيبنا الفتات هذه المرة كما في سايكس بيكو حيث سرق جيراننا الموارنة الأشقياء دولة لبنان الكبير التي أنشاها جدي فخر الدين، ومن ثم ضعنا فيها لقمة صغيرة بين أضراس الطوائف الكبرى . وامتدادنا محفوظ ولن يكون إلا درزياً خالصاً في الحساء الذي يطبخه الأمريكيون والاسرائيليون .
وافترق البطلان !!

في مذكراته أشار أكرم الحوراني إلى واقعة خطيرة في دلالاتها ، الاستاذ كمال جنبلاط يوصل مندوبة الموساد الاسرائيلي بسيارته الخاصة ( هي الأخرى لديها ثأر مع ضابط سوري قتل زوجها العميل أيضاً ) إلى منزل لجوئه في لبنان مع قياديين بعثيين حيث عرضت رغبة الاسرائيليين بالتعاون معه ،
الحوراني كان حسن الظن بكمال جنبلاط فهو لم يحسبه على الموساد بل أوضح بأن كمال جنبلاط عندما أرسلها له للتشاور وتبادل المعلومات والآراء غاب عن ذهنه أن الأمور في سورية غير ما هي عليه في لبنان فالسياسي اللبناني يعتبر مخابرات العدو والصديق صديق ومحاور وند ومكمن مصلحة ومعلومات وبزنس و تكتيكات ، أما في سورية فهذا من المحرمات و من يقوم به يقوم به بشكل سري وهو مرعوب لا علني، ومطمئن كما كمال جنبلاط وسياسيي لبنان الكبير .
لعل تكتيكات القادة الوطنيين مع استخبارات العدو تنتقل جيناتها للذرية مع الزعامة فأصبح وليد يتكتك مع من تمنى قبل فترة أن يسقط صاروخ المقاومة العراقية على مخدعه في ضربة قادمة واصفاً إياه بالفيروس !! هنيئاً لجنبلاط ببول ولفوفيتز.
قد لا يمتد به العمر ليهنأ بوكلاء الأمريكيين الأصلاء لكن عقبى لتيمور إذا ما قضى الأب يوماً ما على حاجز قادم .

يقول الحوراني في مذكراته :
"لقد فكر الاستاذ جنبلاط انه لا يضيرنا ان نستفيد من بعض المعلومات التي يمكن ان تنقلها الينا هذه الجاسوسة، وغاب عن ذهنه ان الامور في سورية مختلفة عما هو في لبنان، وان الاتصال بالعملاء المزدوجين ليست مهمة القيادات الوطنية والسياسية بل هي من مهام اجهزة الامن والمخابرات.
بعد هذه الواقعة كنت اقول في نفسي:
عندما يكون للمخابرات الاسرائيلية الجرأة على الاتصال بنا فهذا يعني انها لم تترك سياسيا عربيا او قائدا او حاكما الا وحاولت ان تتصل به، وقد زادتني هذه الواقعة اقتناعا بخطر المخابرات الاسرائيلية وتغلغلها.

مرت بعد ذلك الشهور والاعوام واذا بأخبار هذه المرأة تبرز فجأة في الصحف اللبنانية وأظن ان ذلك كان عام 1958 بمناسبة قتل شاب فلسطيني من جماعة سمت نفسها "كل مواطن خفير" وقد اتهمت المرأة بتدبير مقتله.
كنت آنذاك نائبا لرئيس الجمهورية في الجمهورية العربية المتحدة، وأذكر انني نبهت محمود رياض الى خطورة هذه المرأة وذكرت له اننا اتصلت بنا عام 1953."