وسط مساحة من المجهول نكتب أو حتى نحاول فهم ما يمكن أن يحدث بعد عام، على الأخص أن "الخبر" و "البيان" يغرقنا بالرسائل الإلكترونية صباحا ومساء، ونجد أحيانا أن التناقض في التحليل ليس نتيجة الخلاف في المعلومة بل أيضا في منهج التفكير، وفي طبيعة البحث إن وجد.

والمشكلة أن كمية الأخيار والأحداث تحدد في كثير من الأحيان اتجاه المواقف أو "الرأي" العام، ورغم أننا لم نملك حتى الآن أي مقاييس واضحة لدراسة الرأي العام لكننا نتدهور مع الخبر ... وأحيانا نترقب من "قارئة الفنجان" أن تفسر لنا الحدث أو تشرح لنا ماذا سيحدث بعد شهر.

"قراءة الفنجان" أو الغوص في التحليلات هي فعل واحد طالما بقي العمل السياسي شان يتبع اعتقاداتنا الآنية بدلا من أن يدخل في إطار "المعلوم" أو البحث الحقيقي عن مستقبل لننتظره. ويبدو أن المشكلة تنطلق في اننا مهوسون بيانات وتصدير مواقف، وربما لا نستطيع حتى اللحظة إيجاد أي تشكيل سياسي يبدأ بالبحث بدلا من عملية التسارع نحو صراع البيانات داخل العالم الافتراضي.

وإذا كانت قراءة الفنجان هواية تمارسها شريحة ربات البيوت قبل أن يصبح تسارع الحياة أقوى من الاحتمال، فإن "الشأن العام" انطلق نحو هذا المجال الواسع، فهو لم يعد يكتفي بتنبؤات الفضائيات، بل يبحث في التفاصيل عن مستقبل تصنعه خطوط "البن" المحروق داخل الوطن أو على جغرافية من "المجهول".

قراءة الفنجان السياسي تفترض أن الجميع يعتقد أنه يعرف ما يريد، ويدعي أن مالك لحسابات دقيقة تمليه نكهة قهوة الصباح، أو مزاج المحللين وما يمكن أن يروه دون وجود مراكز بحث قادرة على وضع الحدث داخل خارطة أوسع. لكن قراءة الفنجان أيضا ترضي النرجسية التي تدفعنا لوهم "المعرفة"، ولتشكيل القناعات على سياق القرن العاشر الميلادي.

ماذا لو أن "لقاء" بروكسل أنشئ ورشة عمل بدلا من تصدير المواقف؟ وماذا لو أن إعلان دمشق قرر دراسة الخارطة السياسية للمجتمع؟ وماذا لو أن الجهات الرسمية قرر البحث داخل مسار المناهج السياسي وانعكاسها على المجتمع؟ ماذا لو قررت المطبوعات منع المحللين من الكتابة قبل استكمال البحث عن التأثيرات التي تعرضنا لها منذ احتلال العراق؟

الصورة لم تكتمل بعد لأنه مع اكتمال السنوات على احتلال العراق نكتشف حجم الجهل لأنفسنا قبل أي شيء آخر.