عندما نفترض أن الزمن القادم يمكن ان يصبح أكثر تعبيرا عن احتياجاتنا فإننا نحاول بالفعل غعادة تشكيل المسهد السياسي، لأن المصلحة السورية لا يمكن أن تقف عند التناقض الحاد الذي يحمله المشهد الحالي ما بين معارضة وسلطة، فالأزمة كما نعاصرها تخرج عن إطار الحديث عن "نظام سياسي" لتدخل في صلب "التجربة التاريخية" للقوى السياسية السورية، فالتصور الذي تقدمه المعارضة السورية هو نتاج تجربتها أكثر من كونه قراءة موضوعية للمستقبل. فهي تقدم حكمها في سياق يحمل:

1. قدرتها على أن تكون بديلا موضوعيا رغم أن استخدام مصطلح المعارضة هنا هو رمزي حيث نتحدث عن معارضة غير قادرة على امتلاك شارعها السياسي، ولا على خلق "جمهور" لها بغض النظر عن من يتحمل مسؤولية هذا الواقع.

2. خطاب المعارضة يحاول خلق تجاذب سياسي مع السلطة وهو أمر "افتراضي"، لأننا لا نعرف حقيقة قوة هذا التجاذب، فهو كلامي فقط بين طرفين دون تجارب واضحة، على الأخص أن هناك خلط في المفاهيم المتعلقة بالدولة والسلطة السياسية والمجتمع السياسي ضمن مصطلح واحد هو "النظام السياسي".

3. إن استخدام المعارضة لمصطلح "النظام السياسي" ليس أمرا عاديا، لأن المقصود هنا "حزمة" من المفاهيم الموجودة في الذاكرة تؤدي بشكل أو بآخر إلى تصور شكل سياسي له صورة نمطية. فالمعارضة السورية، وبالأخص عبر إعلان دمشق، قدمت موقعها السياسي الخاص ليس كبديل عن "السلطة السياسية" بل أيضا كأداة تغير لباقي مفردات النظام السياسي.

4. حديث المعارضة السورية عن "التحول الديمقراطي" هو محاولة تشكيل مفردات مستقلة وخارجة عن "مزيج تجربتها السياسية"، وتحول خطابها السياسي باتجاه جديد يمتاز بالدرجة الأولى بافتراقه عن خطاب "النظام السياسي".

إن الأزمة كما تبدو هي رسم التعبير السياسي للدولة على ضوء معطيات جديدة. فالدولة عموما تعرف أن الأزمة هي في صياغة هذا التعبير رغم الظروف السياسية الإقليمية. فهناك حديث دائم عن "قانون أحزاب" أو صيغ جديدة للجبهة، أو حتى مفهوم قانون الطوارئ الذي تعتبره الدولة "مُعطلا" اليوم. والمهم أن الخطاب الرسمي يقدم مؤشرات على الأقل حول خطاب المعارضة، ويلامس من موقعه كسلطة سياسية المطالب التي تطرحها المعارضة، وهو يعرف تماما أنها في اللحظة الراهنة غير قادرة على رسم تيارها بشكل واضح رغم قدرتها الإعلامية وطاقتها في تقديم التحليلات السياسية.

هناك بالفعل أزمة تعبير ... وهناك تموضع خاص لخطاب المعارضة ... وفي هذه الصورة فإن المصلحة السورية هي الخاسر الأكبر في عمليات الاحتكار سواء للمجتمع أو للثقافة الاجتماعية. وربما يأتي مصطلح الطريق الثالث ليس في وسط المشهد السياسي، بل في عمق الأزمة لأن عليه التعبير عن ضرورة التحول دون تناقض، مستندا إلى التجربة السياسية للطرفين. فالمسألة ليست ظهور حزب على ساحة غائمة، بل هو بالدرجة الأولى ابتداع حل لأزمة مجتمع مبتعد عن "النخب السياسية"، فمسألة "التيار الثالث" ربما تحمل أشكالا تقنية لكنها في النهاية محاولات جادة للبحث عن حلول ونماذج قادرة على تطوير نفسها من أجل المستقبل.