عام 1967 ظهرت اللاءات الشهيرة في الخرطوم وكأنها شخصية نهائية ومبتكرة داخل الثقافة "العربية" تجاوزا، لأن هذه اللاءات لم تعبر عن المواجهة فقط بل أصبحت عنوان الافتراق داخل السياق العربي، حيث أصبح التصنيف الشهير من متشدد إلى معتدل يحكم المصير العام للقضايا التي يتم تداولها دوليا، قبل أن تصبح بندا في جدول الحوار داخل القمم العربية. والمسألة ليست اختراقا عالميا للقمم العربية المتوالية، لأن الصورة الكاملة للعالم العربي مازالت ضبابية ومتأرجحة على إيقاع النظريات السياسية، بدلا من أن تستقر على مساحات جديدة من التصنيف الكامل لموقع هذه الدول على خارطة "التحالف العربي".

واليوم عندما تعود "الخرطوم" إلى ساحة "القمة العربية" فإن غبارا كثيفا يغطي الصور التي رافقت "اللاءات" الشهيرة عام 1967. لكن هذه اللاءات توجهت من الموقع الرسمي نحو الشارع السياسي الذي لا تجمعه عمليا نظرية سياسية، بل شعور بأنه غير قادر على التعامل مع واقعه عبر مؤسسات قائمة على حالات افتراضية، فهو لا يستطيع فهم آليات الجامعة العربية ولا طبيعة البيانات الختامية الصادرة عن أي قمة، لكنه على الأقل يعرف أن صورته أمام نفسه باتت مضطربة، وأن لاءاته متعلقة أولا وأخيرا بعدم قدرته على الارتياح وسط عالم متبدل.

لكن قمة الخرطوم الحالية تؤكد على ان المسار السياسي القائم حاليا ليس بحاجة إلى مراجعة، بل إلى العودة نحو التعامل مع انفسنا من جديد لرسم الصورة التي نهرب منها دوما، والأمر لا يتعلق بهوية ثقافية بقدر كونه بحث في نوعية قناعاتنا التي تربطنا دوما ضمن "نظرية" نريد إثباتها رغم الزمن. إنها النظرية التي تفترض أن مسألة ترابط العالم العربي محسومة، في وقت يحتاج هذا العالم لبناء قاعدة تعيد شتات مصالحه. ونظرية تفترض أيضا أن الصورة الثقافية لنا متجذرة تراثيا في وقت نواجه حالة نمطية لهذه الثقافة العاجزة عن مواجهة المستقبل. فصورة قمة الخرطوم، وربما غيرها من القمم، يغطيها ضباب سياسي في وقت تتجذر المشكلة في عمق قدرتنا على رسم صورتنا الحقيقية أمام أنفسنا.

وحتى لا نخدع انفسنا فإن ما يحدث اليوم هو الصورة الدائمة لانخراطنا في النظرية السياسية على أساس من الإيمان الغيبي، بينما يتحرك الحدث ويتبدل العالم ويبقى فردوسنا المفقود داخل تراثنا نحاول عبثا أن نتلبسه أو نجعله ينطق باسم ثقافتنا.