لا تنطلي الهجومات الإعلامية المتبادلة وتحميل المسؤوليات المتبادلة بين فريقي الخلاف على طاولة الحوار على المشتغلين بالشأن العام اللبناني.

الذين يرون في صحوة الرئيس اللبناني اميل لحود هجوماً سورياً متجدداً محقون في رأيهم. لكن هذا الهجوم السوري ما كان ليكون هجوماً مؤثراً لو لم تكن ثمة لحظة من لحظات انعدام الوزن في ما يتعلق بمبادرة عربية حيال الوضع اللبناني. المعلومات تتقاطع عند هذه النقطة لتفيد ان المبادرة ما زالت تتقصى حظوظها من النجاح. لكن شرط اي مبادرة لتطبيع العلاقات بين سورية ولبنان يفترض ان تؤخذ مصالح الطرفين في الاعتبار. وحيث ان المعلن سورياً والذي لا يفتأ المسؤولون السوريون يكررونه على الدوام من رئيس الجمهورية إلى نواب الرئيس مروراً بوزير الخارجية، يمثل تدخلاً واضحاً وسافراً في الشأن اللبناني، فإن الحديث عن مصالح سورية في هذا المجال يتناقض تماماً مع مصالح لبنان كدولة مستقلة وسيدة.بهذا المعنى فإن المفاوض عن الدولة اللبنانية له هوية واضحة، يمكن اختصارها بفريق 14 آذار. فيما يرى حزب الله ان المطلوب ارضاء سورية وهو في هذا المعنى يتخلى عن دوره المفترض في بناء الدولة، والتغلب على ازمة الحكم المستعصية، ليتحول إلى طرف لا يقدم مسألة استقلال البلد على ما عداها من مسائل.

حجة حزب الله في هذا المجال واضحة، فهو يعتبر ان العلاقات بين لبنان وسورية هي علاقات تاريخية وجغرافية، فضلاً عن علاقات نضالية ربطت بين البلدين في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان. وتالياً فإن مصلحة لبنان كبلد تقضي بأن تراعى المصالح السورية فيه إلى ابعد حد. لكن انتظار ما تراه سورية مناسباً من مصالحها، وترك الإدارة السورية تقرر ما يستقيم مع مصالحها وما لا يستقيم، وتالياً ربط الحد الادنى من استقلال البلد بموافقة سورية على هذا الاستقلال، يبدو في وجه من وجوهه كما لو انه يُفقد حزب الله المبادرة داخلياً ويجعله، في حال تم تحقيق هذه الشروط، مجرد أداة فاعلة في يد الإدارة السورية وحارساً اميناً لمصالحها في البلد.الإملاءات السورية متعددة ومتشعبة في ما يخص العلاقة بين البلدين. لكن المخول ان يوافق على الشروط والإملاءات السورية او يعترض عليها ليس فريق 8 آذار ومن يمثلهم، بل فريق 14 آذار. وهو بهذا المعنى، وبسبب من تخلي الفريق الآخر عن مسؤولياته على هذا المستوى، يصبح المعني فعلاً بحكم البلد وبتدبير شؤون مستقبله، فيما يقبع الفريق الآخر في خانة الشريك المضارب الذي لا يستطيع في احسن الأحوال إلا التعطيل. خصوصاً حين يكون التعطيل في غير مصلحة البلد على كل صعيد.المناقشات الدائرة على طاولة الحوار الوطني تفتقد بعداً جوهرياً لا يمكن تأمينه بالنصاب السياسي الحالي في ما يبدو. إذ لا يرى فريق 14 آذار مجتمعاً إلى العلاقات اللبنانية – السورية الأمثل بوصفها علاقات متوترة، بل يطمح إلى إقامة علاقات متوازنة بين البلدين. وفي وقت يطالب حزب الله وحلفاؤه الفريق الآخر بتقديم ضمانات محلية ووطنية على عدم انجرارهم في مشروع اميركي مغامر يضع البلد على حافة الهاوية.

فإنه من جهة اخرى غير مطالب من الفريق الآخر، او هذا ما يظهر على الأقل، بتقديم ضمانات فعلية في موضوع عدم الانجرار وراء مشروع سوري – ايراني مغامر من شأنه ان يضع البلد ايضاً في قلب هاوية لا قاع لها. بل يبدو ان حزب الله يتصرف في هذا الأمر كما لو انه شريك مضارب. يطلب من فريق الاكثرية ان يتحمل مسؤولية عدم الانجرار إلى فخ اميركي معد للبلد، ويطلب منهم ايضاً ان يرتبوا العلاقات اللبنانية – السورية بما يرضيه.ربما يكون من المجدي ان يتفق المتحاورون في لبنان على تثبيت بداهات لا يبدو انها ثابتة حتى الآن. من قبيل الاتفاق على استقلال البلد استقلالاً ناجزاً، واقامة احسن العلاقات مع سورية بما لا يتعارض مع استقلال لبنان، ورفض الانجرار إلى مشروع اميركي مغامر. في هذه الحال، يتوجب على المتفقين ان يعملوا جميعاً بما يحفظ جوهر ما اتفقواً عليه. والحال فإن مؤتمر الحوار قد اقر ضرورة ترتيب العلاقات مع سورية وترسيم الحدود بين البلدين، وتبادل التمثيل الدبلوماسي، لكن الإدارة السورية ما زالت تماطل في ترتيب لقاء لبناني سوري رسمي.

ألا يفترض هذا المنطق في المماطلة ان يبادر حزب الله إلى اعلان موقف محدد من هذه المماطلة، بوصف العلاقات اللبنانية – السورية الأفضل هي العلاقات التي يكون للطرفين رأي فيها وامكان تعديل؟ ام ان ما يجري ليس أكثر من مطالبة حزب الله الفريق الآخر على طاولة الحوار بالخضوع لمنطق الإملاءات السورية حتى لو تعارض هذا المنطق مع استقلال البلد وسيادته على أراضيه؟من حق حزب الله طبعأً ان يدافع عن بقاء سلاح المقاومة، وان يطالب اللبنانيين بالالتفاف حول انجازها المتمثل بتحرير الجنوب. لكن ما لا يبدو واضحاً في خطابه وسلوكه، يتعلق بدوره في تمتين الاستقلال اللبناني عن سورية بما يحفظ مصلحة البلدين على قدم المساواة.إذا كان فريق 14 آذار مطالباً على نحو ملح بعدم الانجرار إلى فخ اميركي يفرض سلماً لبنانياً مرتجلاً مع اسرائيل، فإن فريق 8 آذار من جهته لا يكلف نفسه مهمة تحصين استقلال البلد من كل تدخل في شؤون سيادته واستقلاله وشؤونه الداخلية.لا شك ان فريقي الحوار في لبنان يختلفون على مصدر الخطر الداهم على مستقبل لبنان. ففريق 14 آذار يرى في التدخل السوري في الشؤون اللبنانية مصدراً من مصادر الخطر الرئيسية، وهو تدخل يملكون عليه براهين لا تحصى، لن يكون آخرها دعوة وزير الخارجية السورية السيد وليد المعلم اللبنانيين إلى اجراء انتخابات مبكرة. فيما يتخوف الفريق الآخر من تدخل اميركي سافر في الشؤون اللبنانية. وإذا كان مطلوباً من فريق 14 آذار ان يطمئن اللبنانيين إلى ان البلد لن يكون لاعباً احتياطياً في الفريق الأميركي، فإن حزب الله وحلفاءه من ناحية ثانية مطالبون بأن يثبتوا انهم ليسوا لاعبين أساسيين في الفريق الإيراني – السوري. وانهم ايضاً يقدمون مصلحة البلد فوق كل المصالح.