نجيب نصير

لم يلتفت المتكلم إلى مطبات حديثه وهو يعبر عن خيبته الأزلية من الغرب والتي عزاها وقولا واحدا دون تراجع إلى الصراع الأزلي الذي يمكن تفسيره على أكثر من صعيد. لم يلتفت المتكلم إلى كل المساعدات التي قدمها الغرب للفلسطينيين وغيرهم ( وطبعا لأسباب تخصه وهي ليست خيرية أو بريئة على أية حال ) وكأن به يبدو ناكر للجميل أو قابل بالأثمان التي تدفع مقابل المساعدات، واعتراضه هنا ان هذا الغرب الدنيء الحقير أوقف المساعدات عن الحكومة الفلسطينية المستجدة، لأنها موصومة بالإرهاب أو لأنها لم تحقق شروط هذا الغرب، مع أنهم طلبوا ديموقراطية.... فقدم الفلسطينيون ديموقراطية وهذه هي نتائجها فماذا نفعل لهم ؟ وكأن الديموقراطية سوف يستفيد منها الغرب، وكأن على الحكومة أينما كانت في دول العالم العربي مربوطة بالمساعدات وليس من برنامج أية حكومة ان تفكر باقتصاد ناجح أو اكتفاء ذاتي وما يلي ذلك من ضرورة حقيقية للشفافية.

كان المتكلم يرمي الكلام حنقا وخيبة واتهاما، مفندا مزاعم الغرب بالديموقراطية وحقوق الإنسان، ولكنه غاب عن ذهنه انه يتكلم عن مساعدات... إنها مساعدات يا قوم.. أي صدقة بالكلام التراثي، وهي عار على جبين الأمم بالكلام القوموي الحامي الذي يتكلم بالكرامة والخصوصية واستقلال القرار، وهو ممانعة للتقدم والإنتاج في لغة العصر والحداثة، إنها مساعدات لا يمكن لها ان تعلم الصيد حسب المثل الصيني، والديموقراطية شأن داخلي لك وليس سبابة مساعدات خارجية. وإذا كانت سايكس بيكو وقيام إسرائيل منعتا الدورة الاقتصادية الاجتماعية عن الأمة فمن واجب المعتمدين على المساعدات إثبات ان سايكس بيكو صالحة في تقسيماتها للاستغناء عن هذه الدورة بالإنتاج والاكتفاء الذاتي، والا لماذا نريد دولا مستقلة وقرارا مستقلا وتقرير مصير مستقل.

هل يهم الغرب اذا كنت ديموقراطيا ام لا ؟ ام ان الديموقراطية والسلام يمثل جزء من مصالح هذا الغرب لأسباب تخصه ؟ وعليه ان نقرر نحن ليس شكل عيشنا وثقافتنا ودولنا فقط ولكن علينا النظر اذا كانت هذه الأشياء قابلة للحياة ام لا، فإذا كانت الديموقراطية رهينة غربية لدينا فلنذبحها وليطق الغرب على ابنته الوحيدة، وليبق الاستبداد نكاية به... وط... بالمساعدات اذا كانت ديموقراطيتا تعني شيئا حميما للغرب.

إننا أمام أسئلة العصر، والعصر هنا هو ما بعد 2006 أي بعد القرن العاشر الميلادي بكل تأكيد، وإذا كنا ما زلنا نمضغ لقمة سايكس بيكو فان الألفية الرابعة سوف تهل قبل ان تخلص من فضلاتها، والمساعدات ليست اقتصادا لدولة وإذا أردنا ان نمضغ هذه اللقمة فعلينا الاعتراف فقط أنها لقمة مريرة وصعبة على البلع ( واقصد هنا البلع الفيزيولوجي وليس البلع بمعناه السياسي الإداري الرائع ) ولا ان نحمل أحدا إننا نأكل الخازوق كرمى لديموقراطية أصعب على البلع من عار الصدقة.