لوموند 13/4/2006
بيت لاهيا – مبعوث خاص

هيكل لجهاز استقبال فضائي يرقد في حطام بيت عائلة غابن , في بيت لاهيا, في شمال قطاع غزّة . قبل الهجوم بدقائق , قامت هديل , وعمرها ثماني سنوات , بإطفاء جهاز التيليفزيون لتسمح لأخيها الكبير الذي يحضّر لتقديم التوجيهية ( البكالوريا الفلسطينية) بالدراسة بهدوء. تروي الأم صفية :" فجأة , استؤنف القصف الإسرائيلي , وأخذت الانفجارات تقترب منا . جمعت أطفالي حولي ومنعتهم من الخروج . بعد ثوانِ , شعرت بألم قاصم في ظهري وبضربة على رأسي , وكأن أحدهم يريد تنويمي. رأيت كرة من النار وفقدت الوعي ". وعندما صحت , هذا الثلاثاء 11 نيسان , في المستشفى , علمت صفية أن هديل ماتت وأن أطفالها التسعة الآخرين كانوا جرحى , ثلاثة منهم بحالة الخطر.

لقد تركت القذيفة فتحة واسعة بقدر كرتين للقدم في السقف المصنوع من الصفيح السيء. أما الانفجار فقد فتت جدران المدخل. وتناثرت البلوكات الاسمنتية في الباحة الصغيرة . وكالعادة توقف إطلاق النار بعد الظهر . الأحد عشر طفلاً في عائلة غابن كانوا منهمكين في القراءة واللعب في الغرفة الرئيسية . أما الأب , محمد , وهو دهان أبنية عاطل عن العمل , فكان يتنزّه في شبكة الحارات المغبرّة التي تحيط بالمنزل , على حدود الأكمات التي تملأ شمال قطاع غزّة . إن ضجيج الانفجارات لم يفزع العائلة.

منذ أكثر من شهر تطلق المدافع الآسرائيلية على المنطقة لتكتشف مصدر الصواريخ المحلية التي تستعملها المجموعات المسلحة , ولقد تعلم السكان أن يضبطوا خوفهم . عادة ما تنفجر القذائف في الحقول المحيطة , التي هجرت بعد أن هدمتها البلدوزرات الاسرائيلية . أو أنها تنفجر فوق المستعمرات السابقة . وهذه المواقع استخدمت من قبل المسلحين الفلسطينيين لإطلاق صواريخ القسام , التي قد تطال أحياناً المنطقة الصناعية في عسقلان , ولكن دون أن تحدث أية خسائر. وقد قتل بعض سكان المدينة سابقاً.

" الخطأ الذي يولد الكراهية"

أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي , شاؤول موفاز, يوم الثلاثاء , تصعيد حدّة العمليات العسكرية. وأكّد :" طالما أن الهدوء لم يعم على الجانب الاسرائيلي , فلن ندع الجانب الفلسطيني ينعم بالهدوء, سوف تشتد العمليات العسكرية ". وحسب المصادر الإعلامية الاسرائيلية , فقد وسعّ الجيش " المنطقة المسموح وضعها تحت مرمى النيران " , بشكل لم تعد فقط على بعد 300 متر من السكان , كما كانت سابقاً , وإنما أصبحت على بعد 100 متر فقط. ويسقط يومياً على شمال قطاع غز’ أكثر من 300 قذيفة.

هل أجبر القصف الاسرائيلي في ذلك اليوم المسلحين الاسرائيليين على الانسحاب إلى المناطق المسكونة في بيت لاهيا ؟ هذا ما يؤكده الجيش الاسرائيلي , عندما أعلن اعتذاره عن موت هديل . في أنقاض منزله , حيث يشعل السيجارة من عقب سابقتها , يرفض محمد هذا الشرح . " هذه أعذار يقدمونها كلما قتل طفل . ليس بيننا أي مسلحين . ولا نسمح لهم بالتصرف بهذا الشكل ."

صباح المأساة , تكلم موظف إسرائيلي مع محمد على الهاتف. وفيما جرت العادة أن تلغى تصاريح العبور إلى إسرائيل لكل أقارب الضحايا , خوفاً من الانتقام , عرض الموظف عليه أن يعطيه تصريحاً مقابل إرضائه. ويروي محمد :" كان يتكلم العربية , وقال لي أن اسمه غافي وأنه مسؤول عن الحدود . عملت في إسرائيل عشرين عاماً , وفجأة سحب مني إذن العبور بدون سبب منذ عام ونصف . لذا فقد رفضت طلبه . كيف يتخيل أن يكون لدي الرغبة بلقاء أي يهودي بعد ما حصل ؟"

نصبت خيمة العزاء للنساء قريباً من المنزل . تتقبل صفية العزاء من جاراتها بوجه مثقل بالأحزان , حاملة على ذراعيها آخر أطفالها , رنا , وعمرها ثلاثة أعوام , مضمّدة ووجهها ممّزق من الحروق . ويجلس على نفس الغطاء , منير , وعمره تسع سنوات , بغطاء على عينه , يبتلع البسكويت , وهوسارح . تشرح هيفاء المديرة :" إنه وهديل في نفس المدرسة . كل زملائهم في حالة صدمة , كيف نعّلم الأطفال السلام في مثل هذه الظروف ؟"

ويرتفع صوت عزيزة مدرّسة اللغة العربية من بين النساء وهي تخاطب " الصحفي الفرنسي" :" لماذا أوقفت حكومتكم مساعدتها للشعب الفلسطيني ؟, ماذا فعلنا لنستحق العقاب ؟ لم يعد الغربيون يريدون دعمنا , وفوق ذلك يضغطون على العالم العربي ليتوقف عن إرسال الأموال إلينا . عندما طبّقنا الديموقراطية التي طلبتموها منا , صرنا في نظركم أعداء . إنه خطأ سوف يولد الكراهية بين الشعوب ".