حسب عدد من الاحتمالات التي أوردها يورجين كولبيل في كتابه حول اغتيال الحريري، نجد مجالا واسعا للتفكير والبحث داخل إطار الجريمة السياسية. ورغم أن كافة ما يقوله الكاتب ليس بعيدا عن التفكير السياسي منذ حادثة الاغتيال، لكنه عمليا يكتب واقعا آخر بالنسبة لنا بعيدا عن المحاور السياسية التي تظهر في كل أزمة. فالكاتب معروف "بموقفه" السياسي ضد المحافظين الجدد، وهو أيضا متميز في التعامل مع المساحات الخاصة بسياسة الإدارة الأمريكية في العالم. وما يهمنا هو طبيعة الاهتمام، أو محاولة صياغة الفهم بغض النظر عن الموقف السياسي.

يورجين كولبيل لا يطلب سوى دراسة الاحتمالات، وهو مع تحيزه لنظرية دون أخرى لكن انطلاقته أساسا من أن الحرفية تقتضي أن يتم النظر إلى المسألة في إطارها الكامل ودون أن يتم الاستبعاد فقط لمجرد الموقف السياسي. وهذا الشكل من البحث هو ما يمكن النظر إليه. فالقضايا السياسية عادة ما تكون متشابكة وأكثر تعقيدا من تبسيطها إلى معسكرين على سياق حروب القبائل، وهي في نفس الوقت لا تحمل أكثر من تفسير فقط بل يمكن بناء "هياكل" نظرية أحيانا وفق طريقتنا في التفسير، والوصول إلى نتائج متناقضة.

عمليا فإن قدرتنا على التحليل السياسي ربما تحتاج إلى اعتماد الاحتمالات، ليس فقط في "الاغتيال السياسي" بل في كل ما يواجهنا من استحقاقات. وحتى في عملية الموقف السياسي فإن المسألة تحتاج إلى التعدد في القراءة ونظر. وهنا فإن الموقف السياسي يخرج عن إطار الانحياز إلى طرف دون آخر، ويأخذ مساحة جديدة من بناء الرؤية التي يمكن أن تشكل اتجاها عميقا في رسم المستقبل.

استضافة يورجين كوليبل يوم الأحد القادم في مكتبة الأسد هي لتبني فكرة التعدد في رؤية الحدث، وليست موقفا سياسيا لأن قضية احترافية ولا تتعلق بمزاج شخصي. والمسألة برمتها أيضا تخرج من إطار الظاهرة الإعلامية وتندرج في محاولة رسم خط ثقافي للآخر، كي لايصبح الموقف السياسي هو الذي يحكم كل المسائل الخاصة بنا. فنحن في النهاية نملك من المسائل المتراكبة ما يدفعنا إلى الانفتاح بشكل كامل على المساحات الثقافية في العالم، دون أن يعني هذا الأمر الذهاب بعيدا في تبديل الهوية الثقافية. بل هو في النهاية إعطاء هويتنا قوة نحو المعاصر ... المواجهة ... أو الغد.