محمـــــد ح. الحــــــاج

لكل مهنة من المهن والصناعات معلموها وأصحابها، ( أي محترفيها) وفي قديم الزمان كان يقال عن كبير أية مهنة - شيخ الكار- ، ومن هنا نتداول أسماء عائلات تشي بمثل هذا الأمر، شيخ النجارين، وشيخ الحدادين ، وشيخ الصاغة،.. وهكذا ..، كما كان يقال عن الأمكنة التي يتم تداول سلع معينة فيها : بازار ، أو سوق ، مع اختلاف بسيط فيما بين الاثنين حيث يكون الأول رحباً ، فسيحاً تجري على أرضه المساومات والصفقات وضمن زمن محدد ، يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً حتى، وأما السوق فهو دائم ومخصص وتكون فيه البضاعة مخزونة وجاهزة تحت الطلب، ولما لم أجد للسياسة من سوق ثابتة، فقد رأيت أن صفة البازار هي الأكثر انطباقاً ومواءمة لما يجري على ساحة العالم ، بحيث تقام مواسم الصفقات والمساومات ، وعرض الرشاوى، وشراء الضمائر، وصولاً إلى استخدام لغة التهديد والوعيد ومنها إلى العدوان تحت راية الشرعية المسماة " دولية " وهذا لا يحدث إلا في بازار نيويورك تحديداً .

التضليل والخداع والمراوغة، والكذب ، أهم السلع المتداولة في البازار الأمريكي ، الخيانة في قاموس البازار، عقلانية، وموضوعية، وقمة الأخلاق، وخداع شعوب العالم بما في ذلك الشعب الأمريكي بضاعة رائجة ومطلوبة، ولها معلمو كار محترفون ، وأما المراوغة ففيها من التلاعب بالألفاظ والمتاجرة بها الكثير.. الكثير، من مفهوم الأخلاق والقيم ، والديمقراطية، وحقوق الإنسان ، ... الخ ، مع أن عملية القتل من أجل حفنة من الدولارات هو في صلب الأخلاق والقيم السياسية الأمريكية ، ومفهوم الديمقراطية لا يجب أن يتعدى مفهوم الانصياع للرغبات والمطالب الأمريكية التي لا تنتهي أبداً ، ولأن للإنسان بحد ذاته أكثر من تعريف بالمفهوم الخاص لغلاة الساسة ومحترفي الكذب والنفاق والدجل الأمريكي، فإنك لتجد العجب في فهم حقوق الإنسان ومن العسير على مفكر أو محلل، أو باحث في علم الأجناس أن يكتشف تعريفاً محدداً للإنسان ، حتى في الداخل الأمريكي ذاته ومعلوم أن أصحاب البشرة السوداء والسمراء، والكلاب ، ممنوع عليهم الدخول إلى كثير من الأماكن في طول أمريكا وعرضها – إلى عهد قريب - ، ( وحاشى للإنسان أن يوضع في خانة الحيوان أيا كان نوعه، حتى ولو كان كلباً، والكلب أكثر وفاء وإخلاصاً من كثير ممن يمتهنون السياسة في أمريكا ويسمون أنفسهم "بالمحافظين الجدد " .

سماسرة البازار الأمريكي ، غلاة متطرفون، محترفو جريمة ، لا يتورعون عن استخدام كل الأساليب الدنيئة والعمليات القذرة، ولهم أذرعهم الطويلة - الكل يعرف عنها - ففي كل عمليات المساومة يبدؤون بعرض الرشاوى، والوعود بالحماية ، وضمان كرسي الحكم للحاكمين في كل بقاع العالم، ويضمنون لهم حتى الحماية الشخصية من شعوبهم ،( إلى حد ما )، ويسبغون عليهم كل الصفات الحميدة بدءاً بالعدالة، والعقلانية، والموضوعية، والشراكة الحميدة، ... أي يصبحون من أصحاب الحظوة ، والسماسرة هؤلاء ... الذين يحملون الجنسية الأمريكية موظفون في خدمة مرابين كبار من غلاة يهود العالم ، وهؤلاء يعملون من خلف الكواليس ولهم من التنظيمات في بازار السياسة العالمية أدوات تختلف كثيراً عن أدوات أزلامهم من السماسرة والوسطاء، فهؤلاء يتصلون بإله من صنعهم ، ويحرصون على تحقيق ما قالوه على لسانه، وهكذا عندما يحبكون المؤامرة ينأون بأنفسهم بعيداً عن بؤرة الحدث ، فلا تقع في صفوفهم خسارة لا في الأفراد ولا في الجماعات، ثم ينشرون أن هذا الإله يرعاهم، يحرسهم، يبتعد بهم عن مكامن الخطر ، ولأنه يملك أقنية كثيرة على شبكة المعلومات العالمية، وتأخذ أقنيته صفة ( الهوت بلاك ميل)، تتوجه بالتحذير إلى أتباعه فيخرجون جميعاً من توأم التجارة العالمية فلا يسقط منهم ضحية ... إنها لمعجزة .

بدأ بازار أمريكا الكبير بعد الانتصار في الحرب الكونية الثانية، فانحاز أغلب العربان وبضائعهم إلى البازار، باعوا خيولهم الأصيلة، وإبلهم، ووضعوا أثمانها أمانة في صناديق العم سام بن نواح ، باعوا الكثير مما يملكون من الثروات، لكنهم دفعوا فوقها الثمن باهظاً، في كل أسواق العالم يبيع البشر بضائعهم فيقبضوا أثمانها، في البازار الأمريكي أنت تدفع ثمن ما تبيع، وليس ما تشتري فقط ، حتى المقايضة مرفوضة ، العربان عقدوا الكثير من الاتفاقيات، نصوصها العربية ... كتب بيضاء ، ونصوصها الإنجليزية صكوك عبودية وارتهان أبدي ، ... – لا تقطعوا عهداً مع الأمم الأخرى ..، هذا في التوراة ، ويعمل به اليهود، العربي شهم ، وأصيل لا يخرج أبدأً على اتفاق أو عهد قطعه، حتى ولو لم يكن مكتوباً ، ويكفي أن يمسك بشاربيه ، ومن هنا لا يستطيع أحد لا غرب النيل، ولا شرق الأردن أن ينقض اتفاقاً وقعه أسلافه، حتى ولو نقض الصهاينة كل بنود الاتفاق إياه ، ( أولم يكن تنفيذ اتفاق السادات مرهوناً بتحقيق اتفاق مع الفلسطينيين وحل قضيتهم ..؟ - اليوم، يفاخر بعضهم بأنه أول من حقق السلام مع دولة الرب الإله .!

لا يستطيع كثير من قادة العرب الخروج من البازار الأمريكي ، فالإرادة مرتهنة، والأرض مرهونة، ومسكونة ، والكرسي زودها العم سام بعجلات سريعة الحركة ، يمسك بمكابحها ويطلقها ساعة يشاء ، والبعض من الصغار ، تربى في بلاد العم سام وتحت أجنحة منظمات المرابين الكبار ، غسل دماغه بيده، ويرفض أن يقال عنه : الجلبي السوري ، رغم أنهما أبناء مدرسة واحدة، وأستاذهما هو نفسه لم يتغير ولو تغير منصبه ، وولفوويتز، يمكن أن يكون حاكماً للبنك الدولي أو لكل بنوك العالم لكنه يبقى واحداً من أهم الأعضاء في إيباك ، وصانعاً لمادة مهمة يتداولها الزبائن في البازار ، الأكثر عجباً أن تصرخ العاهرة مطالبة من حولها بأن ينادوها : أيتها السيدة الفاضلة ...!! هكذا يطالب رئيس حزب " الإصلاح الغادري " محاوره في برنامج الاتجاه المعاكس، ويعتبر نفسه سورياً ، وهو لا يعرف على الأرجح خريطة سوريا ..!

- كم فرداً من شعب سوريا أيها الفريد الغادري ... يا ابن إيباك ، فوضوك بتحقيق الديمقراطية ، وتقول أن لك أعداء في "إسرائيل" وأنك تحاربهم، وأن لك أعداء في أمريكا ... أيضاً تحاربهم ، ربما لا يعرف غيرنا من تقصد ..! ، أما نحن فإننا نعرف، في فلسطين المحتلة ستحارب كل الذين لم ، ولن يرضخوا للإرادة الصهيونية من عرب فلسطين سواء في الضفة وغزة، أو من سكان أراضي ثمانية وأربعين، وأما في أمريكا، فأعداؤك هم أعداء إيباك، وهم كثيرون، فأصحاب الضمير الحي أكثر بكثير من أمثالك ومعلميك الذين أستطيع تعداد العشرات منهم ، ... أعداؤكم من أمثال رمزي كلارك ، وأتباع القس الكاثوليكي فرانك مالوتشي ، وكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أسقطهم المال الصهيوني والتشهير ، أو الذين قتلهم الموساد أو عملاءه على الأرض الأمريكية ، نعم ، كل من ينطق بالحق والحقيقة هو عدو لكم ليس في أمريكا، و " إسرائيل " فقط ، وإنما في كل العالم .

زبائن جدد في البازار الأمريكي ، أعجبتهم القيم المتداولة فيه ، فالتحقوا، وحلقوا ، لن يطول الأمر حتى ينفذ الوقود ... من غير المؤسف أنهم لا يستطيعون الهبوط بسلام ، الأرجح أنهم سيدقون أعناقهم . هؤلاء وجدوا أن أفضل بضاعة يروجون بها أنفسهم في البازار هي التنازل عن عيد تحررهم من احتلال صهيوني ، ألغوا الاحتفال بيوم التحرير تمهيداً لإعلان يوم آخر ، البعض يخجل من الإفصاح عنه، لكنه معلوم وواضح وعلى قاعدة جن بلاط : " إسرائيل" ليست العدو ، العدو هو " آخر" ..!

فليكن يوم خرج "الآخر" حفاظاً على أمن وسلامة البلد ، هو يوم الاحتفال بــ : (التحرير ) ... هناك موسم ... للأفاعي ، تغير جلودها ..!
أشاع السماسرة والوسطاء في البازار الأمريكي أن الجار القريب للعربان لديه نوايا .... والله أعلم .! وهذا خطر على كل الجوار ... الحقيقة يمكن أن يشكل خطراً على مملكة الربا ... عفوا مملكة الرب، وهي حليفة، تلك حقيقة لم ينكرها لا السيد بوش، ولا مربيته الدكتورة رايس ، مع ذلك ، وإكراما لخاطر قادة العربان أطلقوا بضاعة الترهيب للتضليل فقالوا : الخطر داهم، وهكذا بدأ السماسرة بالمساومة على صفقات أسلحة منسقة ومكدسة في مخازن الشركات متعددة الحاخامية والجنسية ، وكأن في صناديق بعض العربان ما يكفي من زاد لبعض الأيام أو يزيد على الحاجة، وهكذا لم يكن غلاة السماسرة والوسطاء بحاجة لكثير من الجهد برغم كل التطمينات من الجار ..! كان الأحرى بهم أن يخافوا ممن يملك ، وليس ممن قد .. يملك ، والأمر مشكوك فيه ، لكنها أصول اللعبة ، وقواعد الشراكة في البازار .

سألني أحدهم بخبث : هل تكون أمريكا خلف لعبة السلاح النووي الإيراني وتضخيم الفزاعة لسلب آخر دينار وريال وفلس في جيوب الزبائن المغفلين من العربان ، واستطراداً : هل قامت أمريكا بتحطيم العراق وإعادته إلى العصر الحجري لتزيل من طريق إيران قوة مكافئة، ثم لتستخدم هذه الفزاعة بالطريقة الأمثل وهي تعلم أنها لن تشكل خطراً على أحد ، أكبر من خطر رجل العصا والقبعة ، في حقل الذرة ..؟
قـلت : هذا علمه عند أصحاب العلم من غير العرب ... سيطول الأمر قبل أن تتكشف أسرار البازار.