ربما يكفي الأحزاب ما تحمله من تراكم الأزمات، لأن الحياة السياسية لم تترك تشكيلا دون ان تحاصره بارتكاسات امتدت منذ الاستقلال وحتى اليوم. ولكن ماذا لو واجهت الأحزاب قضيتها المباشرة؟!! وهل يمكن الابتعاد عن ساحة الخطر في لحظة الوقوف الحقيقي امام "افتراق" لا نريده، بينما يتداخل الثقافي والسياسي ليعيد إنتاج الدوامة المستمرة وسيل التفكير في نقطة "الأزمة"؟!

وهذه الزاوية كانت نقطة النظر أو التناول او حتى التفكير في موقف "الحزب القومي" عندما عالج الوضع العام، وعلى الأخص بيان "بيروت – دمشق"، لأن القضية لا تتعلق بنقد لأي طرف طالما أن المسألة هي البحث عن تفكيك الأزمة ... فالمشكلة التي تواجه تحرك المثقفين ما بين بيروت ودمشق ربما لا تتلخص بـ"إعلان" أو بردود الأفعال الرسمية وغير الرسمية التي أتبعت الإنترنيت بسيل التحليلات، فما حدث هو في النهاية "فجوة" داخل بنية الثقافة التي لم تجد إلا البوابات السياسية، وهو أيضا تشكيل عاجز عن رسم المسؤولية الاجتماعية قبل أن يتم نقلها إلى مساحات "النخب" التي أنتجت موقفا.

ومسألة تحرك المثقفين لا تتعلق أيضا بمواقفهم أو آرائهم، لأن أي موقف يمكن ان يصدر لا يمكن النظر إليه من بوابة "المحاسبة"، أو حتى استخدامه لمحاسبة الآخرين الذين يقفون بعيدا عنه، فهذه الحالة التي تشعل حربا افتراضية تكون مساحات من اللامعقول في محيط الثقافة والمجتمع، بينما السياسة دخل هذه المساحة منذ زمن طويل. وربما بالعودة قليلا إلى "الهدف" الثقافي فإننا نصل إلى رغبة في زيادة القلق بدل تبديده عبر آلية "إبداع" ثقافي. فحرب البيانات لم تكن يوما صورة ثقافية بل مثالا لحرب "البسوس" التي نشعلها مستخدمين الحواسب بدل الهراوات، فهل يمكن الخروج من "النخب" لنصل إلى الجغرافية الجديدة التي تشعرنا بأن الامتداد الجغرافي بين سورية ولبنان لا يشكل نقاط تصدع وأزمات ؟!!

"القومي الاجتماعي" قدم.ه وصفه العام للحالة الراهنة، مضيفا إلى "الخطاب" السائد موقفا يعرفه الجميع حتى قبل دخول الحزب الجبهة الوطنية التقدمية، لأن هذا الموقف مبني على ظهور الحزب أكثر من كونه تعامل مع الحدث السياسي. وهو أيضا عنوان أساسي وليس آلية يمكن منها النفاذ إلى إعادة تشكيل الحياة العامة بين البلدين. فالمشكلة الأساسية اليوم تبتعد نوعا ما عن "الموقف" إلى رسم صور جديدة لما يمكن ان يكون، أو حتى صياغة حياة قادرة على تأسيس مجالات "غير" سياسية داخل حياة البلدين.

ليس مهما ما أعطته "النخب" في بيانها لأن "الظواهر" الثقافية على ما يبدو سريعة الانحسار، وهي مات.زوال تقف عند حدود غير قابلة للاختراق بينما يظهر العمل الحزبي او السياسي كشكل مستقل، والحياة الاجتماعية تخط بدورها طريقا آخر ... فهل يمكن إعادة الربط بين كل الجزر الممتدة على مساحة الوطن؟!! هذا هو السؤال الذي يواجه الجميع وليس حزبا بعينه ...