عباس أبومازن رفقة جورج بوش

القوى الطاغية دوليا عاقبت جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع لأنها أجرت انتخابات دمقراطية للمجلس التشريعي لا مثيل لها في ظل الإحتلال. إنتخابات عبرت عن الإرادة الشعبية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني وعكست إرادة شعبنا العامة المصممة على النضال من أجل كنس الإحتلال والتحرر الوطني وحق العودة, وعدم الرضوخ للإملاءات الأمريكية الإسرائيلية ورفض إخضاع الحق الفلسطيني لمعايير القوة الحالية أحادية الجانب والرأس.

وإن كانت وثيقة الأسرى معقولة كأساس لحوار وطني من حيث مضمونها وما تبقيه من هامش وإمكانيات لتفسير بنودها من قبل كل طرف, إلا أن إساءة استخدامها وبالذات من قيادات في حركة فتح ومقربة من رئاسة السلطة الفلسطينية قد حولتها إلى أداة للصراع بدلا من الوفاق الوطني. وقرار رئيس السلطة الفلسطينية إحالتها لاستفتاء شعبي قد يفقدها مصداقيتها كونها تستخدم وظيفيا – بخلاف مضمونها واهدافها - لشطب قرار جماهير الشعب الفلسطيني في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة انها تستخدم لسلب إرادة الشعب الفلسطيني رضوخا للإملاءات وللعدوان الإسرائيلي والدولي الجائر على هذه الإرادة.

فالإستفتاء يستخدم عادة لبلورة وتعزيز الوحدة الوطنية في مثل ظروف الشعب الفلسطيني, لكن ما يلوح به من إستفتاء هو التفاف على الحوار الوطني بين من انتخبوا اي تم تخويلهم اتخاذ القرار. إنه تسديد ضربة قد تكون في غاية الخطورة للوحدة الوطنية الفلسطينية وإحداث شرخ سيدفع شعبنا ثمنه غاليا. والحديث ليس عن إجراءات الاستفتاء التي قد تبدو استنفدت لكنها إجراءات صورية لتراجع وطني خطير.

هذا فلسطينيا, وفي مقابل إسرائيل فالمحاججة أن في هذا القرار الرئاسي أخذ زمام الامور, فيه محاصرة ذاتية لدور السلطة الفلسطينية للداخل الفلسطيني وليس للخارج بمفهوم السيادة والحماية.
إن مثل هذه المعادلة بل إتاحة المجال للولايات المتحدة وإسرائيل بتثبيت تفوقهما على الإرادة الفلسطينية المستقلة وهي أغلى ما يملك شعبنا اليوم. فما يجري فعليا أن "أخذ زمام الأمور" يتم في حلقة الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية وليس في إطار السيادة الفلسطينية. وتطويع الإرادة الفلسطينية للإملاءات الدولية الإسرائيلية الأمريكية هو تخلي عن أركان الإرادة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني الفلسطيني.

إسرائيل والولايات المتحدة أثبتتا حقا أنهما قادرتان على هزم جيوش وأنظمة لكن ليس شعوبا مناضلة, وكذلك ليس أنظمة تحترم شعوبها وإرادتها, وإن كان عدوانهما المتواصل قد جوبه فلسطينيا بصقل الوحدة الوطنية والمقاومة, فإن الحالة الفلسطينية الراهنة تسدد ضربة فلسطينية ذاتية لهذه الوحدة ولهذا الصمود.

سوف يتخطى شعبنا استفتاء الإلتفاف على الإرادة الوطنية وتطويعها لإرادات أخرى, لكن الثمن لن يدفعه من قرر الإستفتاء وإنما شعبنا بلحمته الداخلية ووحدته النضالية.

مجرد إجراء الإستفتاء سيجعل إسرائيل معفية من تبعات جرائمها التاريخية واليومية وسيجري عملية غسل الجرائم الإسرائيلية بأيد فلسطينية باسم الواقعية وتحت شعار "إستراتيجية المفاوضات" المحكومة مسبقا بميزان القوى الإسرائيلي والتي تستبعد إرادة الشعب الففلسطيني كونها لا تعبر عن روحه. كما أن الإستفتاء يسهم بمجرد المبادرة إليه بمحاصرة المقاومة الفلسطينية للإحتلال وتجريمها.

هناك قوى فلسطينية محلية داخل الخط الأخضر رأت من دورها التجند الأعمي إلى صالح فتح بدل التجند للدفاع عن نتائج انتخابات التشريعي, وهناك من حدد موقفه على أساس فئوى وليس على أساس وطني مرجعيته إرادة الشعب الفلسطيني. ليس المطلوب من أية قوة سياسية وطنية في الداخل أن تدعم هذا الطرف أو ذاك, لكن واجبها الوطني أن تحترم نتائج الإنتخابات وتدافع عنها.

إستفتاء أي استفتاء يحدد حدودا مستقبلية للدولة او للقضية الفلسطينية أي يتعلق بالحل الدائم مرجعيته هي الشعب الفلسطيني كله وليس جماهير شعبنا في الضفة والقطاع وحدها. أليس من حق اللاجئين في الشتات أن يشاركوا في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية وأليس من حق جماهيرنا فلسطينيي48 أن تشارك في تقرير المصير, أم أن الجزئين الأخيرين أصبحا عبئا على قيادات فلسطينية وليسوا شركاء في رسم ملامح المستقبل الفلسطيني؟!

رئيس السلطة الفلسطينية هو رسميا رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, وهو بقراره الإستفتاء إنما يخضع م ت ف للسلطة الفلسطينية المحكومة بسقف اتفاقيات اوسلو التي حررت إسرائيل ذاتها من الإلتزام بها بعد أن أفشلتها, وأبقتها ملزمة للفلسطينين فقط.

إن نداء الوجب الفلسطيني إلى رئاسة السلطة وم ت ف الرسمية أن كفوا عن محاولات تطويع الإرادة الفلسطينية إحترموا فعلا نتائج انتخابات المجلس التشريعي وفوز حماس بها ولن يكون أسلم من تقاسم السلطة بين الرئاسة والحكومة وفق المرجعيات الفلسطينية.

إن وثيقة الأسرى صادرة عن مناضلين حقيقيين, لكن المجلس التشريعي مركب من مناضلين فلسطينيين أيضا, وهو انتخب وهو المخوّل من جماهير الشعب الفلسطيني, وإساءة استخدام الوثيقة من قبل قيادات فلسطينية عليا قد يؤدي إلى انشقاق في الحركة الأسيرة وبالذات في الوحدة الوطنية الإسلامية التي أثبتت أنها الأساس لصمود الأسرى كجزء من صمود شعبنا.

فمن يريد إرادة حرة للشعب الفلسطيني عليه أولا وقبل كل شيء احترام هذه الإرادة والدفاع عنها دون هوادة فلسطينيا ودوليا, وعليه دعم الحكومة الفلسطينية وشرعيتها وعدم الإلتفاف من خلال استفتاء يبدو لدعم الإرادة الفلسطينية لكنه ما يقف وراءه هو إرادة الغير المفروضة!!