كل لحظة تحمل احتمالات الرحيل .. لكن الدافع الرئيس هو ان الدولة والمجتمع والوطن هي ملك الجميع ... وكافة مظاهر الفساد واستباحة القانون تدفعنا لتخطي الحدود، لكن الكثيرين يصرون على تجاوز هذه "الاستباحة" .. وتبقى كل لحظة مليئة باحتمالات الهجرة، أو الخروج عن الآلية التي تجيز كسر القانون، وانتهاك رغبتنا في البقاء داخل الوطن.

ربما لم تعد كلمة "الفساد" تحمل نفس الإيقاع الذي نقلته إلينا قبل أكثر من أربع السنوات، لكنها ما تزال المفتاح الأساسي للرغبة في الابتعاد عن الفوضى الذي يخلفها "قانون الاستباحة" .. وهي الصورة الأكثر وضوحا لحياة الفرد عندما يعجز عن ضبط حياته أو وضع مقياس لتعامله مع المحيط. لكن الفساد لا يعني فقط "هدر المال العام وذبح الاقتصاد الوطني"، إنها شان يطال إنسانية المواطن بالدرجة الأولى، وربما لا حاجة اليوم لتكرار الحديث عن "الإصلاح" و "الفساد"، أو حتى عن النيات الصادقة في وضع حد لوضعية لم يستطع المواطن التآلف معها.
لا حاجة للتذكير بقوائم طويلة من عمليات

الانتهاك، فالصحف الرسمية تضع يوميا توثيقا لها، ولا حاجة أيضا لإعادة اللون لمعايير الشفافية بعد ان تم استهلاك هذا المصطلح داخل الخطاب السياسي المعارض والرسمي .. المهم التذكير بأن الاستباحة ترغمنا على رفض الرحيل ..

أخطر ما يواجهنا اليوم في الفساد هو أنه قفز فوق المعايير فلم نعد نستطيع إيجاد تمييز حقيقي لما يحدث على مستوى حياتنا العامة، وفي نفس الوقت بات الأمر مرهونا بخيارات سياسية، رغم ان الفساد في جذوره اجتماعي ... أما الخلط الثاني فهو ترابط هذا المصطلح مع قيم مختلفة .. وصياغته ضمن منهج عام يحكم العقل الاجتماعي.
ربما علينا من جديد التذكير بأن الفساد استباحة لعقولنا .. وليس فقط إفقار للمجتمع وإضعاف لفرص الأجيال وهي تطلع نحو المستقبل.