محظوظة انا هذا الصباح الجميل ، بعد خمسة ايام من هلوسة المورفين في غرفة العناية الفائقة ، فسريري يمتد امام جدار زجاجي يؤطر حديقة اكثر من بديعة ، ومنسقة بحيث لا تبدو الا كغابة بكر لم يكتشفها الا الطائر الذي يلاعبني كما نلاعب الطفل بافتعال الاختفاء ومفاجأة الظهور .

اشعر فعلا انني كالطفل ، لكأنني اولد من جديد متصالحة مع نفسي وشبه سعيدة .
ربما هو المرض الصعب يجعلنا ندرك متعة الحياة ، وربما لان المستشفى هي اجازتي الوحيدة .
نسمة لطيفة وسريعة كقصائد جاك بريفير تذكرني بقصيدته : يوم الاحد ، ومطلعها:"العصافير على الاغصان تنظرالى البشر ". اسمح لنفسي بان اضيف:"ربما باستخفاف عابث ومشاكس" ، وربما لذلك لا يشعر غالبيتهم بنظرتها فهي تثير فيهم الغيرة والخجل.
الشجرة الكبيرة والنباتات والورود التي تحتل اطار نافذتي تثير فيهم ذلك ايضا ، فهي الاخرى تولد وتنمو وتحيا وتموت ، هي الاخرى لديها قصص عشقها وحاجاتها ورغباتها ، امراضها وحيويتها ، تفتحها واختناقها ، جوعها وعطشها وارتوائها ، لكنها في ذلك كله لا تقلق السماء بصراخ مزعج ولا تسمم الهواء بدموع مالحة .انها راضية بكونها موجودة.
الحياة النباتية متنوعة ، مرحة وسعيدة ، معطاءة وفيها كل ما في حياتنا لكنها تعطينا درسا بليغا في الصمت والكرامة.

لليوم الثالث يصفق لي جاري الطائر بتحية الصباح . لي ؟ من قال ؟ للمرة الثانية اشعر بالخجل منه . انه يصفق غير عابىء لا بي ولا بسواي ، لكنه يمنحنا السعادة لانه لم يعرف يوما ان يقول"لي"وبمفارقة غريبة فكل الفضاء له الا اذا تدخلنا نحن البشر .
ها هو يصفق مرة اخرى ، لكن حول كتلة طفيلية تلتف على غصن الشجرة .

ليذكرني بان في الطبيعة ايضا ما في البشر من بقع سوداء ؟ ام ليقول لي : ابتسمي لانك لم تكوني يوما كهذه ، ولانك تشبهين الشجرة لا الطفيليات؟ الم اقل انني محظوظة بقضاء اسبوع مع هذا المشهد الراقص هادئا على موسيقاه الداخلية ، والذي لا يزعجني فيه الا صوت تلفزيون جارتي المسكينة التي لاتعرف الحديث الى النافدة ، تسحب الستارة وتقول لي :"كثيرا من الضوء يزعج ،،، ،" حتى اذا صمت تلفازها راحت تقرأ في الكتاب المقدس او تغرق في البكاء . الا يعيش البخيل الفقر خوفا منه ؟