نجيب نصير

ربما استغرقتنا موجة توصيف الواقع ( على ضرورتها ) معلوميا ومعرفيا واستنزفتنا عاطفيا وأخلاقيا، ولكنها بدأت بتحديد ذاتها والحد من فعلها كخطوة اولى تحضيرية قد لا تنتهي الا بموجة توصيف واقع جديد او مكرور معتبرين ان ما يحل او ما سوف يحل محل هو مسألة بديهية تبدأ مما هو عكس الواقع تماما ، ما يكشف عن ذهنية تذمرية مذعنة لفكرة الآخر المخطىء أو الاخر المصيب والغائه تكفي المؤمنين شر القتال .

ربما فاتنا في توصيفنا للواقع اسئلة كثيرة ومعارف كثيرة ومسؤوليات جسيمة ، فاكتشاف الاعطاب وحده لا يكفي لإزالتها ولا يكفي حتى لعدم تفاقمها خصوصا مع طول معاشرتها والتعود عليها وعدم معرفة اي شكل آخر من دونها ، ما يزيد الارباك من مواجهتها والادهى الخوف من ازالتها ، ما يستتبع عملا مركبا متوازيا ومتكاملا لمواجهة حال اصلاح الاعطاب التي اكتشفناها خلال توصيف الواقع .

رب اخطر هذه الاعطاب هو الفراغ الثقافي ( ولا اقصد هنا المثقفين وعددهم وعدتهم ) الذي يتمخض عن اداء اجتماعي ممروض يتجلى بفاقد معرفي ضخم يبدأ من معرفة الحق والواجب ولا ينتهي عند اداء اجتماعي عنيف ورهابي ومحزون لا يقدر على ممارسة ما هو عكس الواقع الموصف لأنه وببساطة ليس لديه الدراية العلنية بذلك ، حيث يفتقد الى التعاريف المؤسسة لهذا العكس والناتج عن الابتعاد الطويل عن المسؤولية الاجتماعية والاحتقار الطويل للعوامل المؤسسة للعمل المجتمعي العلني . وهكذا لا ندري وبشكل جمعي متصالح عليه ، نحن المقيمون في القرن الحادي والعشرين ، وعلى سبيل المثال : ما هو تعريف المواطن او المواطنة ، او ماهو البرنامج الانتخابي ، او ماهو الخادم المدني او ماهو قانون السير وحتى ما هو المسرح الخ الخ …. ولماذا يجب ان نعرفها ، تاركين مسؤولية هذه التعاريف للفضائيات النيو تراثية او لمفوهي عذاب القبر او ما يشبههم من هذه الضفة او تلك اعتمادا على توصيف الواقع كطريقة مفردة ومنتهية عند اكتشاف العطب .

اليوم نحن في مواجهة استحقاق ثقافي مجتمعي لا يشكل فيه توصيف الواقع وانتقاده الا خطوة صغيرة جدا بالمقارنة مع الاستحقاقات الوجودية للعصر الحديث .. الذي يحتاج الى بنية اجتماعية موازيه له بثقافتها وبالتالي بأدائها وبالتالي بإنتاجها ،والا سوف نظل نجتر توصيف الواقع منحدرين الى توصيف واقع جديد ناتج عن سلفه مبسوطين بذكائنا الذي لا تمرق عليه احابيل هذا الواقع ومع هذا …. ندفع ثمنها .