لا يختلف اثنان في لبنان على ان 90 في المئة مما اتفق عليه حول طاولة الحوار الوطني لا يمكن ان يسلك طريق التنفيذ من دون تعاون سوري – لبناني.

فمن التجمعات المسلحة خارج المخيمات في الناعمة وقوسايا، الى تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، فإلى ترسيم الحدود وتبادل التمثيل الديبلوماسي، الى اثبات لبنانية مزارع شبعا بالوثائق والمستندات امام الامم المتحدة، فإلى التزام الاطراف جميعا ما اتفق عليه في جلسات الحوار وحتى في مجلس الوزراء، كلها ملفات تحتاج الى علاقات لبنانية – سورية جيدة. وليس ثمة ما يوحي حتى الآن حصول انفراج قريب في هذه العلاقات، وقد عكس الرئيس السوري بشار الاسد في حديثه الاخير الى "الحياة" قبل يومين هذا الواقع.

واذا كانت طريق دمشق "لا تمر عبر واشنطن وباريس" فانها بالتأكيد لا يمكن ان تصبح سالكة في الاتجاهين في ظل التصعيد الاعلامي واستمرار الحملات المتبادلة. واللافت ان اي حديث لمسؤول سوري يكون في معظمه عن لبنان، وفي ذلك تعبير عن حجم الأزمة التي آلت اليها هذه العلاقات منذ الانسحاب العسكري السوري من لبنان قبل عام ونيف. وأسوأ ما في الأمر ان الوضع بات "مستقراً" على التوتر وتبادل الاتهامات في غياب أي تحرك جدي من الطرفين.
وسط هذه الاجواء لا يبادر احد من المسؤولين اللبنانيين الذين تربطهم علاقة جيدة بنظرائهم السوريين، الى القيام بخطوة، وان متواضعة، في اتجاه السعي الى تحسين العلاقات بين البلدين. وعندما يقول الرئيس الاسد ان التواصل مستمر بينه وبين الرئيس اميل لحود، وان اتصالاً هاتفياً يتم بينهما اسبوعياً وبشكل دوري صباح كل نهار سبت، فان من حق اللبنانيين ان يسألوا رئيس دولتهم وما الذي يحول دون عقد قمة لبنانية - سورية؟

والسؤال نفسه يبقى مشروعاً وصالحاً للطرح على كل مسؤول أو مشارك في هيئة الحوار الوطني ممن تربطهم علاقة جيدة بالقيادة السورية، بيد ان ثمة قاسماً مشتركاً بين الجميع هو الهجوم على الحكومة ورئيسها شخصياً، وفي ذلك جواب واضح عن "سر" عدم التحرك في اتجاه دمشق وان "على فنجان قهوة" وفق "مشروع" رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون الذي نال مديحاً لافتاً من الرئيس الاسد. فالمطلوب، وفق آخر الحملات على الرئيس فؤاد السنيورة، اسقاط الحكومة، ويبدو ان ليس بين السياسيين المشار اليهم من هو مستعد لاستخدام علاقته بدمشق في ظل حكومة يعارضها! واضح هنا ان ليس ثمة "فصل" بين الخاص والعام. على كل حال، عندما "ترضى" دمشق عن فؤاد السنيورة يصبح موعد زيارته لها جاهزاً بـ"كبسة زر"، وما دام يتعرض لحملة مبرمجة مشتركة من دمشق الى بيروت فان كل حديث عن موعد رسمي له في العاصمة السورية "أضغاث أحلام"...

فأين أخطأ السنيورة؟ وأين أصاب؟
عندما عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الاخيرة المعلنة لدمشق ناقلاً موعداً لرئيس الحكومة لزيارتها "دون جدول أعمال متفق عليه داخل الحكومة اللبنانية" وفق شروط سابقة للقيادة السورية، رحّب السنيورة وقال لبري: "انا جاهز اعتباراً من صباح الاثنين" بسبب ارتباطات سابقة تحول دون الزيارة في الموعد المحدد من دمشق (الاربعاء 17 أيار الماضي) موعد انعقاد مجلس الوزراء وعشية توجه السنيورة الى شرم الشيخ حيث التقى الرئيس المصري حسني مبارك. لم يكن جواب السنيورة مريحاً لدمشق التي صعدت حملتها عليه وقد بلغت ذورتها بتحميله مسؤولية القرار 1680 الصادر عن مجلس الامن في اليوم نفسه الذي حدد موعداً لزيارته دمشق. وكان بين السياسيين اللبنانيين من افترض سوء النية، معتبراً ان التوقيت كان متعمداً من دمشق للتأثير على جلسة مجلس الأمن والايحاء ان الاتصالات مستمرة بين لبنان وسوريا، وان لا لزوم لأي قرار يدعوها الى التجاوب مع ترسيم الحدود والتمثيل الديبلوماسي. وكان السنيورة ولا يزال يتعامل بهدوء مع الحملة عليه، مذكراً بانه يعبر في مواقفه عما اتفق عليه في مجلس الوزراء وهيئة الحوار الوطني "ولا شيء من عندياتي وهذه اقتناعاتي".
اخيراً، يبقى التريث مطلوباً في انتظار استحقاق أساسي هو: نتائج الاتصالات الاميركية – الايرانية وانعكاساتها على بيروت ودمشق.
هناك.. الخبر اليقين!